يشهد مجال الذكاء الاصطناعي تطوراً متسارعاً لا يضاهيه إلا حجم التكهنات حول تأثيراته الاقتصادية، وبينما يصعب التنبؤ بكل التداعيات، يؤكد تايلور كوين الكاتب بمجلة بلومبرغ المتخصصة في الاقتصاد أن التباين في القدرة على التكيف سيكون العامل الأبرز في تشكيل مستقبل اقتصادنا.
ويوضح كوين في مقال رأي بعنوان ’’ تأثير الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد الأميركي سيكون غير متساوٍ إلى حد كبير’’ أن فهم هذه التحولات يتطلب تصنيف القطاعات الاقتصادية وفقاً لقابليتها للتأثر. فالشركات العاملة في مجال البرمجة والإعلام، على سبيل المثال، تعمل في بيئة شديدة التنافسية حيث لا ضمان لاستمرارية الإيرادات أو ولاء العملاء. فإما أن تواكب التطور أو تختفي من المشهد، خاصة في ظل حرية الدخول للسوق التي يكفلها الدستور الأمريكي.
في المقابل، يشير كوين إلى وجود مؤسسات محصنة نسبياً ضد التغيير السريع. فالجامعات الحكومية الكبرى، حتى لو تراجع أداؤها، قد تستمر لعقود قبل أن تشهد تأثيراً جوهرياً. كذلك المؤسسات غير الربحية التي قد تستمر في تلقي التمويل لسنوات طويلة حتى لو لم تحقق أهدافها بكفاءة.
وبناءً على هذا التباين، يتوقع كوين أن تواجه المؤسسات العاملة في القطاعات الأكثر تنافسية ضغوطاً هائلة لتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، بينما ستتمكن المؤسسات الأخرى من تجنب هذا التحول لفترة أطول.
ويشرح كوين كيف أن حجم كل قطاع من هذه القطاعات في الاقتصاد الأمريكي يخضع للنقاش، لكن من الواضح أن قطاعات مثل الحكومة والتعليم والرعاية الصحية والقطاع غير الربحي – وهي تشكل جزءاً كبيراً من الاقتصاد – قد تشهد تغيراً بطيئاً للغاية أو قد لا تتغير على الإطلاق، مما سيؤثر على سرعة تبني الذكاء الاصطناعي ومعدل النمو الاقتصادي.
ويلفت كوين الانتباه إلى أن القطاعات ذات المنافسة العالية ستشهد تحولات سريعة وجذرية. فنماذج اللغة الكبيرة، على سبيل المثال، أصبحت تقوم بجزء كبير من أعمال البرمجة، وإن كان ذلك تحت إشراف بشري. والشركات التي لن تواكب هذا التطور ستختفي خلال عام أو عامين. كما أن مجالات إنتاج المحتوى والتصميم تشهد ثورة حقيقية في طريقة العمل.
لكن كوين يرى أن الوضع مختلف تماماً في القطاعات المحمية. فأستاذ جامعي يتمتع بوظيفة دائمة قد يرفض استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي دون أن يتعرض لخطر فقدان وظيفته. وقد يتطلب التبني الكامل للذكاء الاصطناعي في التعليم انتظار تقاعد جيل كامل من الأساتذة.
ويلاحظ كوين تبايناً مثيراً في قطاع التعليم، حيث يقبل الطلاب على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بحماس، سواء للغش أو للتعلم، مما يشير إلى أن التبني الفردي سيسبق التبني المؤسسي في الوسط الأكاديمي.
وفي القطاع الحكومي، يرى كوين أن معظم الوظائف محمية، وأن استخدام الموظفين للذكاء الاصطناعي سيكون غالباً لتخفيف عبء العمل. فقد يستخدمونه لكتابة الوثائق والرسائل أو تلخيص المحتوى، مما يوفر وقتاً يمكن استثماره في مهام أخرى. لكن لا توجد ضغوط على المؤسسات الحكومية ككل لإعادة هيكلة أنشطتها حول الذكاء الاصطناعي.
ويخلص كوين إلى أنه لا توجد إجابة بسيطة عن سرعة تأثير الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد الأمريكي ككل. فبينما ستتمكن بعض القطاعات من خفض تكاليفها بشكل كبير – كما في مجال التصميم الذي قد يصبح شبه مجاني – قد تظل تكاليف أخرى مرتفعة، كما في حالة رسوم الدراسة في هارفارد.
ويضيف كوين أن الأمر يزداد تعقيداً لأن استخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز النمو الاقتصادي لن يكون دائماً سهلاً. فمع انخفاض تكلفة الخدمات في القطاعات المتبنية للذكاء الاصطناعي، ستتقلص حصتها في الناتج المحلي الإجمالي، تاركة الجزء الأكبر للقطاعات المترددة في تبني هذه التقنيات، مما قد يحد من قدرة الذكاء الاصطناعي على تعزيز النمو الاقتصادي الكلي.
وينتهي كوين بالتساؤل عن مدى استعدادنا للتحولات القادمة في حياتنا، وما ستجلبه من تغييرات جوهرية في الإنتاجية النسبية والأسعار، مشيراً إلى أننا على أعتاب تحولات عميقة في طريقة عيشنا وعملنا.