تتجلى روعة الصناعة اليدوية المغربية في أكبر مسجد بروما، أحد أهم المعالم الدينية في أوروبا، حيث يبهر الزائرين بزليجه المذهل وجصه المنحوت بدقة ونحاسه المنقوش بمهارة فائقة. تمنح هذه العناصر الفنية المسجد الكبير أجواءً تحاكي المدارس والمساجد العريقة في مدينة فاس، ناقلة معها تراثاً عريقاً إلى قلب العاصمة الإيطالية الخالدة.
وقع الاختيار على المغرب لتنفيذ الديكور الداخلي لهذا الصرح الديني الرمزي، تقديراً للجودة العالية التي تتميز بها الحرف المغربية. يوضح عبد الله رضوان، الأمين العام للمركز الثقافي الإسلامي في إيطاليا: “تولى مهندسون معماريون إيطاليون تصميم المبنى، لكن الأعمال الزخرفية أُسندت إلى معلمين مغاربة لموهبتهم الفريدة وإتقانهم الذي لا مثيل له”.
من قاعة الصلاة المهيبة إلى المكتبة وقاعة الاجتماعات، كل ركن من أركان المسجد يعكس عناصر من التراث المغربي الأصيل. ويضيف السيد رضوان: “من بين الأعمال التي أفضلها شخصياً النافورة، التي تذكرني بتلك التي صنعها النجارون المهرة في مدينة فاس”.
لم تبق خبرة الحرفيين المغاربة محصورة داخل حدود المملكة، بل انتشرت عبر العالم لتضع بصمتها في العديد من المعالم البارزة. من القصور الفخمة في منطقة الخليج إلى الفنادق الراقية في أوروبا، مروراً بالمواقع الشهيرة في أمريكا وآسيا، أصبح الزليج المغربي والخشب المنحوت والجص المزخرف علامات مميزة تأسر الناظرين برقيها وأصالتها. وبهذا، ينضم المسجد الكبير في روما إلى قائمة طويلة من التحف الفنية التي أثراها إبداع المعلمين المغاربة.
افتُتح المسجد الكبير في روما عام 1995، ويمثل أكثر من مجرد مكان للعبادة. يتسع لقرابة 12 ألف مصلٍ، ويضم مركزاً ثقافياً ومكتبة ومدرسة لتعليم اللغة العربية. وقد أصبح على مر السنين رمزاً للتعايش والحوار بين الثقافات، ونقطة مرجعية أساسية للجالية المسلمة في إيطاليا.
بُني المسجد باستخدام مواد محلية كالحجر الجيري والطوب الوردي، مما جعله يندمج بانسجام تام مع المشهد المعماري لروما. ترتفع مئذنته التي تعلوها الأهلة إلى أكثر من أربعين متراً، مشرفةً على هذا الصرح الذي يجمع بين أصالة التراث الإسلامي ورقي الفن المعماري الإيطالي.
يشكل هذا المسجد جسراً ثقافياً يربط بين ضفتي البحر المتوسط، ويجسد التبادل الحضاري بين المغرب وإيطاليا. تحكي نقوشه وزخارفه قصة تمتد لقرون من التفاعل بين الحضارات، وتعكس قدرة الفن المغربي على تجاوز الحدود والتأثير في المشهد الثقافي العالمي.
يبقى المسجد الكبير في روما شاهداً على عراقة الحرف المغربية وقدرتها على التجدد والإبداع، وعلى دور الفن في بناء جسور التواصل بين الشعوب والثقافات. ففي كل زخرفة وكل نقش، تتجلى روح المغرب بتراثه العريق، لتنقل للعالم رسالة الجمال والإبداع والتسامح.