خلال عطلة نهاية الأسبوع، مرّ روبوت توصيل بحجم الركبة بجوار المقهى الذي أرتاده في حيي بلوس أنجلوس، و”عيناه” البيضاوان الساطعتان ترمشان بينما يشق طريقه بين أم تدفع عربة طفل وكلب.
لم تُعر الأم أو الطفل أو حتى الكلب أي اهتمام للروبوت. كان الأمر طبيعياً تماماً. ومع ذلك، لم يمض وقت طويل على اليوم الذي كان فيه الناس يندفعون من المقاهي، هواتفهم مرفوعة، لتصوير روبوتات التوصيل المتجولة هذه، أو التقاط صور سيلفي معها، أو مجرد التحديق بروبوت حقيقي يدخل عالمنا. اليوم، كنتُ الشخص الوحيد الذي رفع نظره عن كوب الكابتشينو. لم أشعر قط بأن مقولة ويليام جيبسون الشهيرة “المستقبل هنا بالفعل، لكنه ليس موزعاً بالتساوي” واقعية بهذا الشكل. بعبارة أخرى، فقدان الوظائف لصالح الروبوتات ليس مجرد أمر قادم، بل لقد بدأ بالفعل.
لنفكر في وظيفة المتدرب المتواضعة. وجد استطلاع أجراه موقع Intelligent.com أن 70% من مديري التوظيف يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي يمكنه القيام بعمل المتدرب – وكان ذلك في العام الماضي. في ذلك الوقت، في أبريل 2024، قال 5% من المشاركين إنهم كانوا يقدمون تدريباً داخلياً لكنهم لم يعودوا يفعلون ذلك؛ وألقى ما يقرب من ثلث هذه المجموعة باللوم على الذكاء الاصطناعي وقدرته على التعامل مع الأعمال الروتينية التي كانت تُسند ذات يوم إلى شباب في الثانية والعشرين من عمرهم كانوا سعداء لمجرد وجودهم هناك. بعد عام واحد، أصبحت الأرقام مذهلة: أفاد آخر تحديث لسوق العمل من Indeed Hiring Lab في وقت سابق من هذا الشهر أن إعلانات التدريب الداخلي اعتباراً من 3 أبريل انخفضت إلى ما دون مستواها الأساسي لعام 2019 وهي الآن أقل بـ 11 نقطة مئوية عن نفس التاريخ في عام 2024، وهي إشارة صارخة على أن الأدوار الأولية في سوق العمل تتبخر حتى قبل أن يحصل خريجو دفعة 2025 على شهاداتهم.
أطلق العاملون في وادي السيليكون على هذا الاستبدال الوظيفي الحالي اسم “مراجحة عدد الموظفين” (head-count arbitrage)، وهي طريقة تقنية للقول: “لم نعد بحاجة إلى البشر!”. مساعدو الأبحاث؟ يمكن لنماذج اللغة الآن استيعاب تقارير سوقية من 200 صفحة، والتحقق من الاقتباسات، وصياغة عرض تقديمي في PowerPoint، وإنجاز مشاريع بحثية كاملة – كل ذلك يتم في السحابة ويُسلم إلى حاسوبك في بضع دقائق على الأكثر. مكالمات خدمة العملاء تلك التي تصرخ فيها في الهاتف وتصيح “قلتُ الموظف!!!” من المرجح أيضاً أن تصبح شيئاً من الماضي. بدأت “إيكيا” بالفعل في استبدال أدوار الدعم هذه بروبوت ذكاء اصطناعي جديد يسمى “بيلي” يمكنه مساعدتك في العثور على قطع مفقودة لرف كتبك أو جدولة عمليات التسليم. كتابة النصوص الإعلانية، تصميم لوحات القصص المصورة (storyboard)، تقديم المشورة المالية الشخصية، وقائمة طويلة من الوظائف الأخرى إما تم استبدالها بالفعل بالذكاء الاصطناعي أو على وشك الاستبدال.
نفس هذه الديناميكية تنتشر في جميع مجالات القوى العاملة. في حوض بيرميان، تستخدم شركة شيفرون تقنية الذكاء الاصطناعي في منصات الحفر تكتشف العلامات المبكرة لتغيرات الضغط أسرع من البشر، وتتباهى الشركة قائلة: “الذكاء الاصطناعي يساعد شيفرون على استخراج المزيد من النفط بتكلفة أقل”. قام بنك جي بي مورغان تشيس بنشر الذكاء الاصطناعي لتحليل اتفاقيات القروض التجارية في ثوانٍ – وهو عمل كان يستغرق من المحامين ومسؤولي القروض 360 ألف ساعة سنوياً لإكماله. عمل يعادل أكثر من 40 عاماً يتم إنجازه الآن في ثوانٍ. تقوم أقسام الأشعة بتطبيق أنظمة ذكاء اصطناعي يمكنها اكتشاف التشوهات في الصور الطبية بدقة تنافس المتخصصين البشريين. البحث القانوني، الذي كانت تقوم به جيوش من المساعدين القانونيين والمحامين المبتدئين، يتم أتمتته بشكل متزايد. حتى المجالات الإبداعية يتم استبدالها بالفعل بالذكاء الاصطناعي – تستخدم وكالات الإعلان الآن الذكاء الاصطناعي للمساعدة في توليد مفاهيم الحملات الإعلانية، وكتابة النصوص، والتصاميم المرئية التي كانت تتطلب سابقاً فرقاً من المبدعين البشريين، ومن بين هذه الشركات كوكاكولا، هاينز، ومينت موبايل.
ومع ذلك، فإن الدليل الأكثر واقعية على أن القوى العاملة البشرية في خطر يركب على عجلات، وقريباً بما فيه الكفاية، على أرجل. انضمت لوس أنجلوس إلى سان فرانسيسكو هذا الربيع كأحدث ملعب لسيارات الأجرة ذاتية القيادة من Waymo.
الإثارة الأولية لركوب سيارة بدون سائق تتلاشى بسرعة. كل من أعرفهم ممن جربوا Waymo يقولون نفس الشيء: لن يستقلوا أبداً سيارة أوبر يقودها إنسان مرة أخرى. صاحت صديقة بعد رحلتها الأولى: “لا أضطر للتحدث إلى أي شخص”. “يمكنني أن أطلق الريح، أن أنظف أنفي، أفعل ما أريد، والسائق لا يستاء أبداً. وبصراحة، أشعر أنها أكثر أماناً من إنسان يتفقد رسائله النصية”. وأضافت: “ولا يتعين عليك دفع بقشيش!”.
قبل عامين، قدر بنك غولدمان ساكس أن الذكاء الاصطناعي التوليدي وحده يمكن أن يؤتمت ما يعادل 300 مليون وظيفة بدوام كامل في جميع أنحاء العالم. وتوقع غولدمان أيضاً أن استبدال البشر بالذكاء الاصطناعي يمكن أن يرفع الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 7%، لذا أفترض أن هناك جانباً إيجابياً، اعتماداً على من سيتم توزيع هذه الـ 7% عليهم. وتوقعت شركة ماكينزي في تقرير عام 2017 أن مئات الملايين من العمال قد يفقدون وظائفهم بسبب الأتمتة بحلول عام 2030. اختر أي جدول زمني تريده، فالمسار واضح: أولاً المهام، ثم الوظائف، ثم مسارات مهنية بأكملها سيتم استبدالها جميعاً بالآلات، وهذا يحدث بالفعل.
يواصل المتفائلون في مجال التكنولوجيا الإصرار على أن كل قفزة تكنولوجية تخلق في النهاية وظائف أكثر مما تدمره: المحلج القطني أنتج مهندس النسيج، الصراف الآلي ولّد جيوشاً من مصممي المنتجات المالية. قد يكون هذا صحيحاً على المدى الطويل من التاريخ، لكنه ليس صحيحاً اليوم. الوظائف تختفي بشكل جماعي، وباستثناء محدود لمدخلي الأوامر (prompt inputter)، فإن أي وظيفة جديدة يتم إنشاؤها يمكن أيضاً استبدالها بالذكاء الاصطناعي قبل أن تتاح لأي شخص فرصة لإتقان مجاله الجديد.
ستكون الأشهر الـ 12 المقبلة مذهلة عندما يتعلق الأمر بالسرعة التي سيصبح بها الذكاء الاصطناعي أكثر ذكاءً وسرعة وقدرة على فعل ما نفعله، ولكن بشكل أفضل. تقوم شركات OpenAI و Google و Anthropic و Meta بإصدار نماذج أكبر وأكثر دقة بوتيرة تنافس قوائم دونالد ترامب الجديدة للرسوم الجمركية، بينما تلحق الشركات الصينية الممولة جيداً، والتي يُزعم أن بعضها نسخ طبق الأصل من شركات الذكاء الاصطناعي الأمريكية، بسرعة بالابتكار الأمريكي.
لا يستطيع صانعو الرقائق تصنيع السيليكون بالسرعة الكافية. أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية، المبتهجون باحتمالية تحقيق وفورات دائمة في التكاليف، يلقون بالمليارات على أي شركة ناشئة يقرن عرضها التقديمي بين “GPT-4o” و”مراجحة عدد الموظفين” في الشريحة الثالثة.
وهو ما يقود – إلى مجال عملنا. إذا كان بإمكان نموذج لغوي تجميع بيانات الاستطلاع، ورشّ اقتباس لجيبسون، وإخراج مقال ساخر من ألف كلمة بأسلوب وكالة أسوشيتد برس الخالي من العيوب، فما الذي يمكن للكاتب أن يساهم به بالضبط بخلاف متلازمة النفق الرسغي والميل للشرطات الطويلة (em dashes)؟ قد تكتشف مجلة “فانيتي فير” قريباً أنه يمكن استبدال مراسلها التقني بخوارزمية لا تشتكي أبداً من التعديلات، ولا تقدم أبداً تقرير نفقات، ولا تتغيب بسبب المرض – أبداً. لأنه إذا كان المتدرب هو حقاً طائر الكناري في منجم الفحم، فأنا لست بعيداً عن الخطر.
عن مجلة “فانيتي فير”