اشتباكات تندوف: مؤشر على الفوضى وتساؤلات حول دور البوليساريو

لم تكن المواجهات الدامية التي اندلعت نهاية الأسبوع المنصرم في مخيم العيون بتندوف باستخدام الأسلحة النارية بين عصابات تهريب المخدرات، مجرد حادث عرضي، بل تبدو مؤشراً صارخاً على حالة الفوضى الأمنية العميقة والمتجذرة التي تعيشها مخيمات تندوف منذ سنوات.

فوسط هلع ورعب السكان المحاصرين في منازلهم وبراريكهم، تحول المخيم إلى ساحة حرب مفتوحة، شهدت تبادلاً كثيفاً لإطلاق النار من فوق عربات مسلحة، في ظل غياب لافت ومثير للتساؤل لعناصر أمن جبهة البوليساريو وتجاهل تام من الجيش الجزائري المتمركز على مقربة.

وتشير هذه الأحداث، الموثقة بشهادات محلية ومقاطع فيديو، إلى ما هو أبعد من مجرد تصفية حسابات بين عصابات؛ إنها تعكس انهياراً متزايداً في قبضة جبهة البوليساريو على المخيمات وتفككاً في منظومتها الأمنية الداخلية.

ويبدو أن هذا الانهيار ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجة تراكمية للهزائم السياسية والدبلوماسية والميدانية التي مني بها المشروع الانفصالي، مما أضعف قدرة الجبهة على التعبئة والسيطرة، وفتح المجال لتنامي نفوذ مجموعات الجريمة المنظمة.

وتتردد بقوة اتهامات بأن هذه المجموعات الإجرامية لا تعمل في فراغ، بل تحظى بحماية ورعاية من عناصر قيادية داخل البوليساريو نفسها. ويُعتقد أن هذه القيادات تعتمد على أنشطة التهريب غير المشروعة، بما في ذلك تهريب المخدرات والأسلحة (التي يُشاع أن مصدرها مخازن الجبهة)، والمحروقات، وحتى الاتجار بالبشر، كوسيلة لتأمين تمويل موازي لأنشطتها (“الصناديق السوداء”) في ظل تراجع الدعم وشح الموارد.

ومما يزيد الوضع تعقيداً هو أن هذه المجموعات الإجرامية بدأت تتشكل وتتحشد بشكل متزايد على أسس قبلية، مستغلةً الفراغ الأمني وحالة السخط الشعبي العارم ضد قيادة البوليساريو، التي تواجه اتهامات مستمرة بالفساد ونهب المساعدات الإنسانية بشكل منهجي. هذا الاحتقان الداخلي، وغياب أي أفق أو بدائل حقيقية، يدفع بالعديد من الشباب والمراهقين في المخيمات إلى الانخراط في هذه الشبكات الإجرامية كسبيل وحيد للبقاء أو تحقيق نفوذ، في ظل انهيار مؤسسات الجبهة وفشلها في توفير مستقبل لهم.

وقد أكدت متابعات من داخل المخيمات، مثل تلك التي نقلها منتدى “فورساتين”، أن ما حدث هو تصفية حسابات بين عصابات متنافسة، جرت في ظل غياب أمني متعمد أو ناتج عن عجز، وصمت مريب من الجيش الجزائري. وأشار المنتدى إلى أن تدخل البوليساريو جاء متأخراً وبشكل يوحي إما بالخشية من مواجهة هذه العصابات القوية، أو بالتواطؤ معها.

وتصاعدت الأصوات المنددة من داخل المخيمات، مثل مجموعة “صوت الشعب الصحراوي المكافح”، التي اعتبرت ما يحدث “فشلاً ذريعاً” للقيادة الحالية، يجردها من أي شرعية ويضع السكان أمام مسؤولية التغيير. كما خرج شيوخ وأعيان للتظاهر، متهمين البوليساريو، بدعم جزائري، بتعمد إغراق المخيمات في فوضى أمنية لترهيب السكان وإسكات أي مطالب سياسية، عبر جعل همهم الوحيد هو البحث عن الأمن المفقود.

في المحصلة، تبدو الاشتباكات الأخيرة في مخيم العيون ليست مجرد انفلات أمني عابر، بل حلقة جديدة في مسلسل الفوضى المتجذرة، تكشف عمق الأزمة التي تعيشها مخيمات تندوف، وتضع دور جبهة البوليساريو وسلطتها الفعلية، بل ونواياها، موضع تساؤل جدي.

شارك المقال:

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعونا على وسائل التواصل الاجتماعي

إشهار

هذه المساحة مخصصة للإعلانات. دعمك يساهم في استمرار الموقع وتقديم محتوى إخباري مميز.

انضم إلى العائلة!

اشترك في النشرة الإخبارية.

لقد تم اشتراكك بنجاح! عفواً! حدث خطأ ما، يُرجى المحاولة مرة أخرى.
Edit Template

معلومات عنا

موقع المحيط الإخباري: هنا، الخبر يبدأ بالإنسان وينتهي به. نحن منصة إخبارية شاملة تضع الإنسان في قلب اهتماماتها، مستكشفةً قصصه وتحدياته وآماله. لا نتعجل في نقل الحدث، بل نقدم تفاصيله بعمق، ونطرح الأسئلة التي تقود إلى فهم أوسع. نغطي الأحداث المحلية والإقليمية والدولية بمنظور تحليلي مختلف، مع اهتمام خاص بتقديم المعرفة في مجالات المستقبل التي تشكل عالمنا القادم. كل ذلك في إطار من الدقة والمسؤولية واحترام أخلاقيات العمل الصحفي

  شروط الاستخدام © 2025 Created By M AGENCY