احتفلت الطبقة العاملة المغربية، اليوم الخميس الأول من ماي 2025، بعيد الشغل العالمي في أجواء متباينة، تراوحت بين الهدوء النسبي في بعض المدن والوقفات الرمزية، وبين التعبئة المهمة والتجمعات الخطابية الحاشدة في مدن أخرى، خاصة العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء.
وجاء تخليد هذه المناسبة النضالية والرمزية في سياق خاص، بعد أيام قليلة فقط من إعلان الحكومة عن مخرجات جولة أبريل للحوار الاجتماعي وتأكيدها على مواصلة تنزيل التزاماتها المتعلقة بتحسين الدخل وتوسيع الحماية الاجتماعية.
ورغم ذلك، خيم على احتفالات هذه السنة شعور واضح بالاحتقان لدى العديد من المركزيات النقابية، وشكلت المناسبة منبراً قوياً للتعبير عن انشغالات عميقة إزاء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الراهنة، ولتجديد المطالب العمالية الملحة في مواجهة تحديات متزايدة.
هيمنة غلاء المعيشة وتآكل القدرة الشرائية
كان التنديد بتقهقر القدرة الشرائية وارتفاع تكلفة المعيشة هو القاسم المشترك الأبرز والشعار الأكثر هيمنة في مسيرات ووقفات فاتح ماي عبر مختلف المدن.
وعبّرت جل النقابات المشاركة، بما فيها تلك الموقعة على اتفاقات الحوار الاجتماعي، عن استنكارها الشديد للمعاناة اليومية التي تكابدها الشغيلة وعموم المواطنين نتيجة موجة الغلاء التي طالت مختلف المواد والخدمات الأساسية.
واعتبر المحتجون أن هذا الارتفاع غير المسبوق في الأسعار والتضخم المستمر، أدى إلى “تبخر” أي زيادات طفيفة وغير معممة في الأجور، وألقى بملايين المغاربة في دائرة الفقر والهشاشة، كما عكست ذلك شعارات قوية من قبيل “باش تعيش يا مسكين والمعيشة دارت جنحين”، و”علاش جينا واحتجينا على الغلاء لي علينا”.
وانتقدت الخطابات النقابية بشدة ما وصفته بـ”عجز الحكومة” عن إيجاد حلول ناجعة لكبح جماح الأسعار والتخفيف من وطأة الغلاء على جيوب المواطنين، خاصة الفئات الهشة والمتوسطة.
تجديد المطالب العمالية الأساسية
إلى جانب قضية القدرة الشرائية، شكل فاتح ماي مناسبة لتجديد المطالب التاريخية والمستمرة للطبقة العاملة، والتي تتلخص في:
- تحسين الأجور والدخل: المطالبة بزيادات إضافية وحقيقية في الأجور تتناسب مع غلاء المعيشة، واحترام دورية الأجور في القطاع الخاص، ومراجعة منظومة الأجور بشكل عام.
- حماية الحريات النقابية: تجدد الاستنكار لما وصفته النقابات بـ “التضييق الممنهج” على العمل النقابي، وانتقاد قانون الإضراب الذي اعتبرته “تكبيليا” وتم تمريره دون توافق حقيقي، والمطالبة بضمان الحق في التنظيم والاحتجاج السلمي، ووقف ما اعتبرته ممارسات مضايقة ضد النقابيين تشمل الطرد والإعفاء ومنع تسليم وصول الإيداع للمكاتب النقابية.
- الحماية الاجتماعية وإصلاح التقاعد: المطالبة بتسريع وتيرة تعميم الحماية الاجتماعية وتجويد خدماتها، والتعبير عن القلق إزاء المقاربة الحكومية لإصلاح أنظمة التقاعد، والمطالبة بإشراك فعلي للنقابات في بلورة إصلاح منصف ومستدام يضمن حقوق المكتسبة للمنخرطين. والتأكيد على ضرورة التصريح بكافة الأجراء لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
- تحسين ظروف العمل ومحاربة الهشاشة: المطالبة بتحسين شروط الصحة والسلامة المهنية في أماكن العمل، ووضع حد للاستغلال المتعلق بساعات العمل الطويلة، ومعالجة ظاهرة الهشاشة المتزايدة في سوق الشغل والبطالة المرتفعة (التي تجاوزت 13%)، خاصة في صفوف الشباب والنساء، ووقف تسريح العمال وإغلاق الوحدات الإنتاجية بشكل تعسفي.
انتقادات للسياسات الحكومية والحوار الاجتماعي
لم تخلُ خطابات الزعماء النقابيين واللافتات المرفوعة من انتقادات لاذعة للحكومة وسياساتها. واتُهمت الحكومة بعدم الوفاء بكامل التزاماتها السابقة، و”تفويت” الخدمات العمومية الأساسية (كالصحة والتعليم والماء والكهرباء) للقطاع الخاص، و”ضرب” المرفق العمومي.
كما انتقدت بعض الهيئات النقابية ما وصفته بـ”تفريغ الحوار الاجتماعي من جوهره”، وجعله “شكليا ومناسباتيا”، بدل أن يكون عملية مستمرة ومنتجة لحلول حقيقية. ووجهت اتهامات للحكومة بـ”تكريس الريع والفساد وتضارب المصالح”.
رواية الحكومة: التزام وتنفيذ تدريجي
في المقابل، وقبيل انطلاق الاحتفالات، حرصت الحكومة على تقديم روايتها والتأكيد على التزامها بتنفيذ مخرجات الحوار الاجتماعي. وذكر بلاغ رسمي بالزيادات التي تم إقرارها وصرف جزء منها، سواء في القطاع العام (الدفعة الأولى من 1000 درهم، والالتزام بصرف 500 درهم المتبقية في يوليوز 2025، ورفع الحد الأدنى للأجور إلى 4500 درهم)، أو في القطاع الخاص (زيادة 15% في SMIG و20% في SMAG، مع التزام بزيادة 5% إضافية في 2026 وتوحيد تدريجي للحد الأدنى). كما أبرزت الحكومة جهودها في تحسين دخل موظفي قطاعات حيوية كالتعليم والصحة والتعليم العالي بتكاليف مالية كبيرة، وتوسيع نطاق الحماية الاجتماعية لتشمل فئات جديدة من المتقاعدين والأجراء عبر تخفيض شرط أيام الاشتراك.
فجوة قائمة وتحديات مستمرة
شكل فاتح ماي 2025، مرة أخرى، منصة حيوية للطبقة العاملة المغربية للتعبير عن مطالبها وانشغالاتها المشروعة. ورغم تأكيد الحكومة على التزامها بتنفيذ اتفاقات الحوار الاجتماعي وتحقيق مكتسبات ملموسة، أظهرت الاحتفالات أن فجوة كبيرة لا تزال قائمة بين ما تم تحقيقه وبين تطلعات الشغيلة، خاصة في ظل استمرار الضغوط الاقتصادية وارتفاع تكاليف المعيشة.
ويبقى التحدي الأكبر هو ترجمة الالتزامات إلى واقع ملموس يحمي القدرة الشرائية، ويصون الحريات النقابية، ويضمن ظروف عمل لائقة، ويستجيب لتطلعات ملايين العمال والعاملات في مغرب يواجه تحديات اجتماعية واقتصادية معقدة.