في خطوة تبدو وكانها طي لصفحة حاسمة من تاريخ الانترنت، اسدلت مايكروسوفت الستار نهائيا على تطبيق سكايب. هذا الاسم الذي كان يوما ما مرادفا للثورة في مكالمات الصوت والفيديو عبر الشبكة العنكبوتية لاكثر من اثنين وعشرين عاما. خبر، وان كان منطقيا في سياق التطور التكنولوجي، الا انه يوقظ في جيل الالفية، اولئك الذين عاشوا بواكير الثورة الرقمية اواخر التسعينيات ومطلع القرن الحالي، شجنا عميقا ونوستالجيا جارفة لايام كانت فيها كل نقرة على الماوس بمثابة اكتشاف.
بالنسبة للكثيرين من ابناء ذلك الجيل في العالم العربي، ومنه المغرب طبعا، لم يكن سكايب مجرد برنامج. كان نافذة سحرية على عالم اوسع، جسرا افتراضيا يربطهم باصقاع الارض المترامية الاطراف. يتذكرون جيدا تلك الايام التي كانت فيها مقاهي الانترنت “السيبرات” ملاذهم.
في تلك القاعات المعتمة التي تفوح منها رائحة السجائر احيانا، والتي يتردد فيها همس الحواسيب وصوت نقرات لوحات المفاتيح، كانوا يقضون ساعات طويلة. كان الانترنت لا يزال ترفا، والوصول اليه مغامرة يومية.
بعد ان هيمن “ام اس ان ماسنجر” على عرش الدردشة النصية، جاء سكايب ليحدث انقلابا. فجاة، لم يعد التواصل مقتصرا على الكلمات المكتوبة. اصبح بامكانهم سماع اصوات من الجانب الاخر من العالم، وفيما بعد، رؤية وجوههم. يا لها من اعجوبة! كان سكايب بالنسبة للكثير منهم في المغرب وباقي الدول العربية بوابة لتعلم اللغات، خصوصا الانجليزية. كم من شاب وشابة كان يفتح البرنامج، يدخل اسما عشوائيا، ثم يضغط زر الاتصال، املا في العثور على متحدث اصلي ليمارس معه لغته ويصقلها. كانت تلك محادثات عفوية، مليئة بالضحكات احيانا، وبالارتباك احيانا اخرى، لكنها كانت دائما تجربة ثرية.
ولا يمكن انكار جانب اخر كان يدفع البعض، وخاصة الشباب منهم، للغوص في عالم سكايب. انه حلم التعرف على ثقافات اخرى، وربما، الحلم الساذج البريء لدى البعض، بالتعرف على فتاة شقراء من احدى الدول الغربية.
كان الامر اشبه برحلة استكشافية في عالم مجهول، مليئة بالفضول ورغبة عارمة في كسر حواجز الجغرافيا والثقافة. من باكستان الى سان فرانسيسكو، مرورا بباريس ولندن ومدريد، كان سكايب يجمع اصواتا ووجوها من كل حدب وصوب.
لكن، وكما هي طبيعة الاشياء في عالم التكنولوجيا المتسارع، بدا بريق سكايب يخفت تدريجيا. لم تستطع مايكروسوفت، بعد استحواذها عليه، ان تجاريه مع متطلبات العصر الجديد. ظهرت بدائل اكثر رشاقة وسهولة في الاستخدام، وموجهة اكثر للهواتف الذكية التي غزت حياتهم: فايبر، ثم العمالقة واتساب وتيليجرام، واخيرا زوم الذي فرض نفسه بقوة في عالم الاجتماعات الافتراضية.
قرار مايكروسوفت بالتخلي عن سكايب لصالح منصتها الموحدة “مايكروسوفت تيمز” كان حتميا. فالاخيرة تقدم تكاملا افضل مع بيئة العمل الحديثة ومنظومة تطبيقات مايكروسوفت 365. كما ان المنافسة الشرسة وتقادم البنية التحتية لسكايب عجلت بنهايته.
الذكريات التي يحملها هذا الاسم تتجاوز مجرد الاستخدام العملي. انها ذكريات جيل كامل شهد بزوغ فجر الانترنت، جيل فتح عينيه على عالم يتغير بسرعة، وكان سكايب احد ابرز معالم تلك الحقبة.