يستهل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم الاثنين، جولة مكثفة في منطقة الخليج العربي تشمل ثلاث دول، هي المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة. تهدف هذه الزيارة، التي تنطلق من الرياض يوم الثلاثاء، إلى إعادة صياغة التحالفات الأميركية في المنطقة وفقًا لمبدأ “المعاملة بالمثل” الذي تتبناه إدارته.
أهداف الزيارة:
تُشير المحطات التي تتضمنها الجولة إلى عودة ترامب إلى الدبلوماسية القائمة على الصفقات، والتي تركز على إبرام اتفاقيات في مجالات أساسية مثل مبيعات الأسلحة، والاستثمارات التقنية، ومواجهة النفوذ الصيني والإيراني المتزايد. وتتطلع الرياض إلى هذه الزيارة كإشارة إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، من المتوقع أن يتم توقيع حزمة صفقات أسلحة بقيمة 3.5 مليار دولار، تشمل 1000 صاروخ AIM-120C-8 AMRAAM، وهو ما يهدف إلى دعم القدرات الدفاعية الجوية السعودية في مواجهة التهديدات الإقليمية، بالإضافة إلى دعم جهود توطين الإنفاق الدفاعي بنسبة 50% بحلول عام 2030. وتأتي هذه الصفقة كجزء من شراكة دفاعية أوسع نطاقًا بين الولايات المتحدة والسعودية بقيمة 100 مليار دولار، وتتماشى مع ميزانية الدفاع السعودية لعام 2025 البالغة 78 مليار دولار.
وبالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يسعى ترامب إلى خفض أسعار النفط لدعم الاقتصاد الأميركي، في حين تركز السعودية على الحفاظ على إيراداتها لتمويل “رؤية 2030”.
الظرفية الجيوسياسية:
تأتي هذه الزيارة في ظل متغيرات إقليمية ودولية متسارعة، تفرض نفسها على جدول أعمال ترامب، بما في ذلك الحرب المستمرة لإسرائيل عي قطاع غزة، والتوترات المتصاعدة مع المتمردين الحوثيين في اليمن، والوضع المتأزم في سوريا بعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد.
كما تبرز الأزمة النووية الإيرانية كملف رئيسي على جدول الأعمال، خاصة مع استئناف المحادثات بين واشنطن وطهران في مسقط. وفي هذا السياق، حذرت إيران ترامب من مغبة تغيير التسمية الرسمية للخليج، في خطوة يُنظر إليها على أنها قد تزيد من حدة التوترات مع طهران.
التحديات الإقليمية:
تُعد جهود تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، والتي شهدت زخمًا كبيرًا في الولاية الأولى لترامب من خلال اتفاقيات إبراهيم، من بين الملفات المعقدة التي تواجهها الإدارة الأميركية. ومع ذلك، فإن استمرار الحرب في غزة ورفض السعودية مقترحات نقل المدنيين الفلسطينيين، بالإضافة إلى تمسكها بحل الدولتين، قد أدت إلى تجميد هذه الجهود.
وفي هذا الصدد، أثار استعداد ترامب لتطوير السعودية قدراتها النووية دون ربط ذلك باعترافها بإسرائيل قلقًا داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، حيث يخشى المسؤولون في القدس من أن يؤدي تعزيز العلاقات الأميركية مع الخليج إلى تآكل التفوق العسكري النوعي لإسرائيل وعزلها على نحو متزايد.
الأبعاد الاقتصادية:
لا يمكن فصل البعد الاقتصادي عن الجوانب السياسية والاستراتيجية في هذه الزيارة، ففي الوقت الذي يؤكد فيه البيت الأبيض على عدم وجود تضارب في المصالح بين استثمارات ترامب الخاصة والعلاقات السياسية مع دول الخليج، إلا أن توقيع “مؤسسة ترامب” أول اتفاق تطوير عقاري لها في قطر يتضمن بناء ملعب غولف وفلل سكنية، وإطلاق مشروع لبناء ناطحة سحاب في دبي بكلفة مليارات الدولارات، يثير تساؤلات حول هذا الفصل.
تسلط زيارة ترامب إلى منطقة الخليج الضوء على الدور المتزايد الذي تلعبه هذه المنطقة كمركز ثقل جيوسياسي ومالي، وهو ما يعكس تحولًا في السياسة الخارجية الأميركية نحو منطقة تعتبرها واشنطن حيوية لمصالحها الاقتصادية والأمنية. وفي هذا السياق، من المتوقع أن يسعى ترامب إلى تحقيق مكاسب اقتصادية ملموسة من خلال إبرام صفقات تجارية ضخمة، وفي الوقت نفسه، فإنه سيواجه تحديات جمة في التعامل مع الأزمات الإقليمية المعقدة، وفي مقدمتها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والملف النووي الإيراني.