المغرب يحقق طفرة في منظومة الابتكار العالمية

تشهد المملكة المغربية نهضة حقيقية في مجال الابتكار وريادة الأعمال، حيث نجحت في تسجيل تقدم لافت ضمن التصنيف العالمي لمنظومات الابتكار الناشئة لعام 2025. هذا التطور الإيجابي يعكس الجهود المبذولة من قبل الحكومة والقطاع الخاص لترسيخ مكانة المغرب كمركز إقليمي للتكنولوجيا والإبداع.

تقدم ملموس في التصنيف الدولي

وفقاً لتقرير “مؤشر المنظومة العالمية للشركات الناشئة” الصادر عن منصة “ستارت أب بلينك” المتخصصة في رصد أداء بيئات الابتكار عبر العالم، تمكن المغرب من الارتقاء بأربع درجات ليصل إلى المرتبة 88 من إجمالي 118 دولة شملها التقرير. هذا التحسن يأتي مصحوباً بتحقيق أعلى معدل نمو في منطقة شمال أفريقيا بنسبة مذهلة بلغت 23.1 في المائة.

في السياق الإقليمي، تفوق المغرب على جيرانه حيث جاءت تونس في المرتبة 82 عالمياً ومصر في المركز 65، بينما لم تتمكن الجزائر من الظهور ضمن قائمة المائة الأوائل. هذا الأداء المتميز يعزز موقع المغرب كثالث أقوى منظومة ابتكار على المستوى الإقليمي.

الدار البيضاء تتصدر المشهد الوطني

تبرز العاصمة الاقتصادية المغربية، الدار البيضاء، كنجمة ساطعة في سماء الابتكار الوطني، حيث حققت قفزة نوعية بتقدمها 42 مرتبة لتستقر في المركز 317 على الصعيد العالمي. هذا الإنجاز المبهر جاء مدفوعاً بمعدل نمو استثنائي تجاوز 40 في المائة، مما يؤكد دورها الريادي كمحرك أساسي للابتكار في المملكة.

وفي مقارنة مثيرة للاهتمام، تفوقت نتائج الدار البيضاء بست مرات على العاصمة السياسية الرباط التي احتلت المركز 811 بعد صعودها سبع مراتب وتحقيقها نمواً بنسبة 20.7 في المائة. هذا التباين يعكس الطبيعة الديناميكية للاقتصاد في العاصمة الاقتصادية مقارنة بالمدن الأخرى.

من جهة أخرى، واجهت مدينة أكادير تحديات واضحة حيث تراجعت إلى المرتبة 968 مسجلة نمواً سلبياً بنسبة 5.5 في المائة، في حين نجحت مراكش في تحقيق أداء متوسط بحلولها في المركز 1060 مع نمو إيجابي بلغ 12 في المائة. أما طنجة فقد سجلت دخولاً تاريخياً في التصنيف العالمي للمرة الأولى، محتلة المركز 1151، الأمر الذي يشير إلى بداية انخراطها الواعد في منظومة الابتكار الوطنية رغم التأخر النسبي.

بيئة رقمية محفزة وتمويلات متنامية

يكشف التقرير عن امتلاك المغرب لمقومات قوية تجعله وجهة جاذبة لرواد الأعمال في شمال أفريقيا، حيث يتميز بتوفير بيئة رقمية مستقرة وتكاليف تنافسية مغرية. كما يستفيد من بنية تحتية رقمية في تطور مستمر وقاعدة شبابية واسعة تتمتع بالتعليم الرقمي، مما يعزز إمكانياته كمركز محوري للابتكار والتكنولوجيا في المنطقة.

على صعيد التمويل، حقق المغرب إنجازاً مهماً خلال عام 2024 بحصول الشركات الناشئة على تمويلات إجمالية بلغت 176.9 مليون دولار. هذا النجاح جاء بفضل مساهمات فعالة من مؤسسات رائدة مثل “UM6P Ventures” و”Maroc Numeric Fund” بالإضافة إلى صندوق “Innov Invest” المدعوم من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي. كما لعب “إمباكت لاب” في الدار البيضاء دوراً محورياً في دعم المشاريع ذات الأبعاد الاجتماعية والبيئية.

شهد المشهد المغربي أيضاً عمليات استحواذ بارزة من شركات دولية على مشاريع ناشئة محلية واعدة، بما في ذلك “دبا دوك” و”واي ستو كاب”. وفي إنجاز لافت، تمكنت شركة “Terraa” المتخصصة في الزراعة الرقمية من جمع 1.5 مليون دولار في عام 2023، محققة رقماً قياسياً كأعلى مبلغ لجولة تمويل تمهيدية في تاريخ المغرب. من جانبها، وصلت شركة “Chari” إلى تقييم مذهل بلغ 100 مليون دولار في عام 2022.

الابتكار محور السياسات الحكومية

على مستوى السياسات العامة، أشاد التقرير بالجهود الحكومية المشجعة التي تشمل منح إعفاءات ضريبية وتطبيق برنامج “Maroc PME” الداعم للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. كما تم إطلاق علامة “MoroccoTech” في عام 2022 للترويج للمملكة كوجهة رقمية عالمية مميزة.

في إطار الرؤية الاستراتيجية طويلة المدى، خصصت استراتيجية “المغرب الرقمي 2030” مبلغاً كبيراً يقدر بـ240 مليون درهم لدعم الشركات الناشئة، بينما تواصل منظمات مثل “ستارت آب ماروك” و”تيكنو بارك” لعب أدوار محورية في تطوير وتنمية ريادة الأعمال في المملكة.

الموقع الإقليمي والعالمي

على المستوى العربي، حل المغرب في المرتبة الثامنة خلف دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين ودولة قطر والمملكة الأردنية الهاشمية وجمهورية مصر العربية والجمهورية التونسية.

وقد سجلت السعودية الإنجاز الأبرز في التصنيف العالمي بصعودها 27 مركزاً محققة نسبة نمو تاريخية وصلت إلى 236.8 في المائة.

على الصعيد الدولي، حافظت الولايات المتحدة الأمريكية على موقعها في المقدمة تليها المملكة المتحدة وكندا، فيما جاءت الصين في المرتبة 13 واليابان في المركز 18 وإستونيا في المرتبة 11.

الفرص والتحديات المستقبلية

خلص التقرير إلى أن المغرب يملك المؤهلات الأساسية اللازمة للتحول إلى مركز إقليمي مؤثر للابتكار، إلا أنه يواجه تحديات هيكلية مهمة تتطلب معالجة عاجلة. في مقدمة هذه التحديات يأتي تحسين جودة منظومة التعليم، ومعالجة الفوارق الاجتماعية القائمة، وتسهيل وصول رواد الأعمال إلى مصادر التمويل، بالإضافة إلى ضرورة تحديث الإطار القانوني المنظم للشركات الناشئة.

رغم أهمية التقدم المحقق حتى الآن، يؤكد الخبراء أن هذا الإنجاز ليس سوى البداية لمسار طويل وطموح يتطلب استثماراً استراتيجياً مدروساً وبناء شراكات قوية ومستدامة من أجل إرساء اقتصاد رقمي متكامل ومستدام يعود بالنفع على جميع شرائح المجتمع المغربي ويعزز مكانة المملكة في المشهد التكنولوجي العالمي.

شارك المقال:

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعونا على وسائل التواصل الاجتماعي

آخر الأخبار

  • All Post
  • أخبار الجالية
  • اقتصاد
  • المحيط الاقليمي
  • المغرب
  • تقارير
  • تكنولوجيا
  • رياضة
  • لايف ستايل

إشهار

هذه المساحة مخصصة للإعلانات. دعمك يساهم في استمرار الموقع وتقديم محتوى إخباري مميز.

انضم إلى العائلة!

اشترك في النشرة الإخبارية.

لقد تم اشتراكك بنجاح! عفواً! حدث خطأ ما، يُرجى المحاولة مرة أخرى.
Edit Template

معلومات عنا

موقع المحيط الإخباري: هنا، الخبر يبدأ بالإنسان وينتهي به. نحن منصة إخبارية شاملة تضع الإنسان في قلب اهتماماتها، مستكشفةً قصصه وتحدياته وآماله. لا نتعجل في نقل الحدث، بل نقدم تفاصيله بعمق، ونطرح الأسئلة التي تقود إلى فهم أوسع. نغطي الأحداث المحلية والإقليمية والدولية بمنظور تحليلي مختلف، مع اهتمام خاص بتقديم المعرفة في مجالات المستقبل التي تشكل عالمنا القادم. كل ذلك في إطار من الدقة والمسؤولية واحترام أخلاقيات العمل الصحفي

آخر الأخبار

  • All Post
  • أخبار الجالية
  • اقتصاد
  • المحيط الاقليمي
  • المغرب
  • تقارير
  • تكنولوجيا
  • رياضة
  • لايف ستايل

  شروط الاستخدام © 2025 Created By M AGENCY