مع مضي نحو 5 أشهر على توليها زمام الأمور، تجد إدارة الرئيس ترامب نفسها أمام فرصة تاريخية لمعالجة تحديات استراتيجية معقدة في شمال وغرب أفريقيا. في قلب هذه الأولويات، تبرز ضرورة حسم نزاع الصحراء بشكل نهائي، بما يتماشى مع المصالح الأمريكية الحيوية ويدعم الاستقرار الإقليمي.
يستند هذا التوجه إلى ترسيخ الدعم لخطة الحكم الذاتي المغربية، كإطار واقعي ومستدام. ويتزامن ذلك مع اتخاذ موقف حازم لا هوادة فيه تجاه التهديدات الأمنية المتصاعدة، وفي مقدمتها جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر. وأشار تقرير لمركز أليسون، من توقيع الخبيرين أمين غوليدي وروبرت غرينواي، إلى أن نزاع الصحراء يمثل نقطة تحول هامة لإدارة ترامب، حيث يتيح لها تحقيق نجاح دبلوماسي ملموس يعزز من مكانة أمريكا العالمية. ويستند هذا التوجه، كما أوضح التقرير، إلى الاعتراف التاريخي خلال فترة ولاية ترامب الأولى بسيادة المغرب على الصحراء في إطار اتفاقيات أبراهام.
وأفاد المصدر ذاته أن هذا الاعتراف لم يكن مجرد خطوة دبلوماسية معزولة، بل شكل تحولا جذريا في معايير الحل، وسرعان ما حظي بدعم متزايد من قوى أوروبية رئيسية مثل فرنسا وإسبانيا. أدى ذلك إلى خلق إجماع دولي غير مسبوق حول خطة الحكم الذاتي المغربية باعتبارها الحل “الوحيد الواقعي والعملي” لقضية الصحراء.
وشدد التقرير على أن حسم هذا النزاع يخدم بشكل مباشر مصالح أمريكية حيوية واستراتيجية متعددة الأوجه. وعلى مستوى المصالح الجيوسياسية، يهدف إلى منع التوسع المتزايد لنفوذ قوى منافسة مثل الصين وروسيا في هذا الممر الاستراتيجي الحيوي. كما أنه سيعيد تأكيد قدرة الولايات المتحدة على تشكيل النتائج في المناطق المتنازع عليها.
علاوة على ذلك، سيعزز هذا الحل العلاقات مع حلفاء موثوقين مثل المغرب. وفي نقطة أخرى، تطرق التقرير إلى الفشل الذريع الذي مُنيت به الأطر الدبلوماسية التقليدية، وعلى رأسها جهود الأمم المتحدة ومهمة المينورسو، مما يجعل الأنظار تتجه الآن نحو جهود دبلوماسية أمريكية أكثر مباشرة وحسما.
وفيما يتعلق بالتهديدات الأمنية، أشار التقرير إلى تفاقم خطر جبهة البوليساريو بشكل كبير، متجاوزا كونه مجرد طرف في نزاع إقليمي ليصبح وكيلا مزعزعا للاستقرار. تستمر الجزائر في توفير الملاذ الآمن والدعم العسكري والميزانياتي للبوليساريو، حيث تعمل قيادتها ووحداتها العسكرية من معسكرات تندوف على الأراضي الجزائرية.
وأفاد المصدر ذاته أن التقييمات الدفاعية تشير إلى أن هذه المعسكرات قادرة على تعبئة ما يصل إلى 40 ألف مقاتل، وهو خزان بشري يمكن لقادة البوليساريو الاستفادة منه، وقد قامت جماعات جهادية بالفعل باستكشافه لتجنيد عناصر جديدة.
كما شدد التقرير على تزايد الأدلة المقلقة حول الدعم الإيراني للبوليساريو. فبالإضافة إلى تقارير عن تورط ضباط من حزب الله في تدريب عناصر البوليساريو، انتقلت طهران على ما يبدو من التدريب إلى تزويد البوليساريو بالعتاد، بما في ذلك طائرات مسيرة مسلحة.
وعلى مستوى الاتصالات المباشرة، أشار التقرير إلى معلومات استخباراتية غربية حول اتصالات بين مبعوث البوليساريو وضابط اتصال من حزب الله لتهنئته على هجوم حماس في 7 أكتوبر، مع التعهد بتصعيد “المقاومة” في الصحراء بمجرد وصول المزيد من الأموال والتكنولوجيا الإيرانية.
وفي نقطة أخرى تتعلق بالنفوذ الخارجي، ذكر التقرير أن وفود البوليساريو تشارك بانتظام في مؤتمرات “حركة مناهضة العولمة في روسيا” منذ عام 2015. ورغم عدم التحقق من عمليات نقل أسلحة مباشرة، إلا أن قوافل مجموعة فاغنر الروسية تسلك نفس الممرات الصحراوية التي يسيطر عليها مهربون مرتبطون بالبوليساريو.
وأفاد المصدر ذاته أن البوليساريو تلعب دورا طويل الأمد في الاقتصاد غير المشروع في منطقة الساحل والصحراء، والذي يغذي الآن بشكل مباشر تمويل الجماعات الجهادية. يقوم قادة صحراويون بنقل كميات كبيرة من الحشيش والكوكايين والأسلحة الليبية، مع تدفق “ضرائب” العبور إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
بالتوازي مع تنامي ترسانتها وعلاقاتها المشبوهة، استمرت البوليساريو في تصعيد خطابها العدائي. ففي نوفمبر 2020، انسحبت من وقف إطلاق النار، وأعلنت المنطقة “منطقة حرب”، وهددت المصالح الأجنبية. وفي أبريل 2025، أعلنت أن أي مستثمر أو سائح يدخل الصحراء لن “يعتبر بريئا أو مدنيا”.
هذا الوضع، بالإضافة إلى التطورات المقلقة في النيجر، يستدعي من إدارة ترامب إعادة تقييم شاملة لاستراتيجيتها في المنطقة. ويظل المغرب في هذا السياق شريكا محوريا، نظرا لقدراته العسكرية القوية، وتعاونه المثبت في مكافحة الإرهاب، وموقعه الاستراتيجي.
إن تجاهل التهديد المتعاظم الذي تشكله جبهة البوليساريو لم يعد خيارا مطروحا لإدارة الرئيس ترامب. وشدد التقرير على أن الحل المقترح يتطلب الآن مسارين متوازيين وفعالين: دبلوماسيا، عبر الدفع قدما وبقوة بدعم خطة الحكم الذاتي المغربية؛ وأمنيا، عبر اتخاذ إجراءات صارمة وفورية.
يأتي على رأس هذه الإجراءات الأمنية الإسراع في إدراج جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية عالمية محددة بشكل خاص بموجب الأمر التنفيذي 13224. وأشار التقرير إلى أن هذا التصنيف سيمكن الحكومة الأمريكية من فرض عقوبات وتجميد أصول، مما يضيق الخناق على قدرتها على العمل والتمويل.
كما يستدعي الأمر تبني نهج حازم وصريح تجاه الجزائر، لمساءلتها عن دورها في إدامة النزاع وتوفير الدعم للبوليساريو، وحثها على المساهمة الجادة والفعالة في تحقيق الاستقرار الإقليمي.
ختاما، يمثل هذا الوضع المعقد فرصة استراتيجية حقيقية لإدارة الرئيس ترامب لتأكيد قيادتها. من خلال دعم حاسم لخطة الحكم الذاتي المغربية، وتصنيف البوليساريو كمنظمة إرهابية، يمكن للولايات المتحدة تحقيق نجاح دبلوماسي هام، وتعزيز أمن حلفائها، ومنع القوى المعادية من استغلال هذا النزاع.
القرارات والإجراءات التي ستتخذها الإدارة في الأشهر القادمة ستكون حاسمة في رسم مستقبل هذه المنطقة الحيوية، وفي منع تكرار أخطاء الماضي التي قد تكون عواقبها وخيمة.