إغلاق “لبريكة”: خطوة موريتانية حاسمة لضبط حدودها ورسائل متعددة للجزائر


أعلنت موريتانيا مؤخرًا عن إغلاق منطقة “لبريكة” الحدودية الهامة، المجاورة لحدودها البرية الشمالية الشرقية مع الجزائر، واعتبارها منطقة عسكرية محظورة على المدنيين.

يمثل هذا القرار، الذي نقله الجيش الموريتاني، خطوة استراتيجية ذات أبعاد أمنية وسياسية متعددة، ولا يمكن فصله عن سياق إقليمي معقد وواقع أمني هش يطبع هذه المنطقة الصحراوية الشاسعة.

إن الدوافع الأمنية المباشرة لهذا الإغلاق تتمثل في المقام الأول في “تطويق تداعيات الانفلات الأمني” ووقف استغلال المنطقة في أنشطة غير قانونية، وعلى رأسها التهريب المنظم.

فمنطقة لبريكة، لقربها من مخيمات تندوف الجزائرية ولكونها نقطة عبور رئيسية، شكلت تاريخيًا معبرًا حيويًا لشبكات التهريب بأنواعها المختلفة، بدءًا من السلع الأساسية وصولاً إلى الأسلحة والمخدرات والبشر.

هذه الأنشطة لا تهدد الاقتصاد الموريتاني فحسب، بل تغذي أيضًا شبكات الجريمة المنظمة وقد ترتبط بتمويل جماعات متطرفة.

بالإضافة إلى ذلك، تسعى نواكشوط من خلال هذه الخطوة إلى فرض سيادتها الكاملة على جميع أراضيها، بما في ذلك المناطق الحدودية النائية التي كانت لعقود تشهد ضعفًا في السيطرة المباشرة للدولة.

فتعزيز الحضور العسكري وتأمين الحدود يمثل أولوية موريتانية في ظل تصاعد التهديدات الأمنية في منطقة الساحل والصحراء.

كما أن الحدود بين موريتانيا والجزائر، خاصة في المناطق الصحراوية، تُعتبر بيئة خصبة للأنشطة العابرة للحدود وغير القانونية، والتقلبات الأمنية في دول الجوار، وتمدد نشاط الجماعات المسلحة في الساحل، يزيد من ضرورة اتخاذ إجراءات استباقية لتأمين التراب الموريتاني.

على الرغم من أن البيان الرسمي لم يشر صراحة إلى جبهة البوليساريو، إلا أن العديد من التحليلات والمصادر المطلعة تربط هذا القرار بشكل وثيق بالتهديدات الأمنية المحتملة أو القائمة التي قد تشكلها أنشطة مرتبطة بالجبهة أو عناصر منتمية إليها.

إن الموقع الجغرافي لمنطقة لبريكة، بالقرب من مخيمات تندوف التي تعتبر المعقل الرئيسي لجبهة البوليساريو، يجعلها منطقة حساسة أمنيًا.

هذه المخيمات، التي تقع على الأراضي الجزائرية، لطالما أثيرت حولها تساؤلات بشأن مدى السيطرة الفعلية عليها واحتمالية استخدامها كمنطلق لأنشطة غير مشروعة أو حتى تحركات مسلحة قد تؤثر على أمن دول الجوار، بما فيها موريتانيا.

وتشير العديد من التقارير إلى تورط عناصر أو شبكات مرتبطة بأفراد من مخيمات تندوف في أنشطة التهريب عبر الحدود، بما في ذلك تهريب الأسلحة والمخدرات.

هذه الأنشطة لا تخدم فقط مصالح اقتصادية ضيقة، بل يمكن أن تتقاطع مع مصالح جماعات إرهابية أو توفر لها موارد لوجستية ومالية، لذا فإن إغلاق لبريكة قد يهدف إلى قطع أحد شرايين هذه الأنشطة.

وفي ظل تجدد التوترات في نزاع الصحراء وإعلان البوليساريو إنهاء وقف إطلاق النار، تزداد المخاوف من إمكانية تسلل عناصر مسلحة أو استخدام الأراضي الموريتانية كمنطقة عبور أو حتى كقاعدة خلفية لأنشطة معادية للمغرب.

وهو ما قد يجر موريتانيا إلى صراع هي في غنى عنه، وبالتالي يمكن قراءة قرار الإغلاق كإجراء احترازي لمنع مثل هذه السيناريوهات.

وقد تحمل هذه الخطوة الموريتانية أيضًا رسالة ردع غير مباشرة، ولكنها واضحة، إلى جبهة البوليساريو بأن نواكشوط لن تتسامح مع أي أنشطة تهدد أمنها انطلاقًا من المناطق المجاورة لمعسكراتها.

كما قد تكون رسالة إلى الجزائر، الدولة المضيفة للبوليساريو، للتأكيد على جدية موريتانيا في تأمين حدودها ومطالبتها بضرورة ضبط الأوضاع في المناطق الحدودية من جانبها أيضًا.

إن إغلاق “لبريكة” ليس مجرد إجراء أمني داخلي، بل هو خطوة ذات تداعيات إقليمية.

ففي وقت تتسارع فيه التحولات الجيوسياسية في المنطقة، تسعى موريتانيا للحفاظ على موقعها كطرف متوازن يسعى للاستقرار، ولكنه في الوقت ذاته يقظ وحازم في الدفاع عن مصالحه وأمنه.

وتبقى التساؤلات مطروحة حول ردود الفعل الإقليمية، خاصة من الجزائر وجبهة البوليساريو، وكذلك حول كيفية تعامل سكان المناطق الحدودية الموريتانيين مع هذا الإغلاق وتأثيراته المحتملة على حياتهم اليومية.

في المحصلة، يمثل قرار موريتانيا إغلاق منطقة “لبريكة” إعلانًا صريحًا عن انخراطها الجاد في معركة إعادة ضبط الجغرافيا الأمنية في محيطها الإقليمي المضطرب.

إنه يعكس إدراكًا متزايدًا للتهديدات المتعددة، بما في ذلك تلك التي قد تنبع من الأنشطة غير المنضبطة لعناصر من جبهة البوليساريو أو شبكات مرتبطة بها، وسعيًا حثيثًا لتعزيز السيادة الوطنية وحماية أمن البلاد والمواطنين في مواجهة واقع أمني معقد وديناميكيات إقليمية متغيرة.

شارك المقال:

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعونا على وسائل التواصل الاجتماعي

إشهار

هذه المساحة مخصصة للإعلانات. دعمك يساهم في استمرار الموقع وتقديم محتوى إخباري مميز.

انضم إلى العائلة!

اشترك في النشرة الإخبارية.

لقد تم اشتراكك بنجاح! عفواً! حدث خطأ ما، يُرجى المحاولة مرة أخرى.
Edit Template

معلومات عنا

موقع المحيط الإخباري: هنا، الخبر يبدأ بالإنسان وينتهي به. نحن منصة إخبارية شاملة تضع الإنسان في قلب اهتماماتها، مستكشفةً قصصه وتحدياته وآماله. لا نتعجل في نقل الحدث، بل نقدم تفاصيله بعمق، ونطرح الأسئلة التي تقود إلى فهم أوسع. نغطي الأحداث المحلية والإقليمية والدولية بمنظور تحليلي مختلف، مع اهتمام خاص بتقديم المعرفة في مجالات المستقبل التي تشكل عالمنا القادم. كل ذلك في إطار من الدقة والمسؤولية واحترام أخلاقيات العمل الصحفي

  شروط الاستخدام © 2025 Created By M AGENCY