من مهاجر بسيط إلى راتب يفوق السياسيين
في أحد أفخم المجمعات السكنية على ساحل “كوستا ديل سول” الذهبي بمدينة إستيبونا الإسبانية، يعيش رجل أصبح حديث الصالونات والصحف المحلية. إنه حميد، المهاجر المغربي الذي تحول من مساعد أمن بسيط إلى شخصية محورية لا غنى عنها في مجمع “كابو بيرميخو” الراقي.
لم يحمل حميد أي شهادة أكاديمية أو مؤهل رسمي عندما وطأت قدماه أرض إسبانيا. بحسب تقرير نشرته صحيفة الموندو الاسبانية .
بدأ رحلته المهنية كمساعد في الأمن الخاص، وظيفة متواضعة لا تتطلب سوى الالتزام والإخلاص. لكن هذا الرجل، الذي يحمل في عينيه بريق الطموح وروح المثابرة المغربية الأصيلة، لم يكتف بهذا المنصب المتواضع.
خطوة بخطوة، وعاماً بعد عام، تسلق حميد السلم الوظيفي بعزيمة صامتة. من مساعد أمن إلى حارس، ثم إلى مشرف، وأخيراً إلى ما يشبه المدير غير الرسمي للمجمع السكني الأرستقراطي.
يتقاضى حميد اليوم راتباً سنوياً يبلغ 94,900 يورو، أي ما يعادل تقريباً مليون درهم مغربي. هذا المبلغ يتجاوز راتب رئيس حكومة الإقليم خوانما مورينو الذي يحصل على 89,275 يورو سنوياً، بل ويفوق حتى راتب عمدة مدينة مالقة الكبرى فرانسيسكو دي لا توري البالغ 90,815 يورو.
أكثر من مجرد حارس أمن
ما يميز حميد عن باقي موظفي الأمن ليس فقط راتبه المرتفع، بل طبيعة عمله الاستثنائية. فهو ليس مجرد حارس يقف عند البوابة، بل رجل أعمال متعدد المهام في حد ذاته. يقوم بتنظيف الشقق الفاخرة، وتوصيل السيارات الفارهة لأصحابها، وتنفيذ مهام شخصية لسكان المجمع الأثرياء.
يعمل حميد على مدار الساعة وطوال أيام السنة، دون عطل أو إجازات مبرمجة. إنه موجود دائماً، جاهز للتدخل في أي لحظة، سواء لحل مشكلة تقنية أم لتقديم خدمة شخصية. هذا الالتزام الكامل جعله أكثر من موظف عادي، بل شريك فعلي في الحياة اليومية للمجمع. يدير حميد شؤون مجمع سكني تتجاوز ميزانيته السنوية 1.77 مليون يورو، وهو مبلغ يفوق ميزانيات بعض البلديات الصغيرة في إسبانيا.
بين الجدل والاعتراف
قبل ثلاث سنوات، اقترح بعض ملاك العقارات في المجمع تخصيص تقاعد وتأمين على الحياة لحميد، تقديراً لخدماته الاستثنائية. كان المقترح يهدف إلى ضمان مستقبله المالي، اعترافاً بالدور المحوري الذي يلعبه في إدارة شؤون المجمع.
لكن حميد، بحكمته المغربية العريقة، لم يطلب هذه الامتيازات بنفسه. صمته هذا فُسر بطرق مختلفة: البعض رأى فيه تواضعاً نبيلاً، بينما اعتبره آخرون مطالبة ضمنية ذكية. هذا التفسير المتباين أثار موجة من الجدل بين السكان، مما دفع حميد إلى الانسحاب من الاجتماع في موقف غاضب والدخول في إجازة طويلة غير معلنة.
رغم الجدل المثار، يحظى حميد بدعم قوي من رئيس الجمعية البريطاني مارتن موريس، ومن شركة إدارة المجمع “كالدرون”. هؤلاء المدافعون عنه يؤكدون أن مهامه تتجاوز بكثير دور الحارس التقليدي، وأن راتبه المرتفع مبرر تماماً بالنظر إلى التزامه الاستثنائي. كما تشهد له المحامية يولاندا غارسيا، ممثلة الجمعية، بأنه يملك ثقة كاملة من السكان، خاصة أولئك الذين يعرفونه منذ أكثر من عقدين.
رمز لحلم الهجرة المحقق
في النهاية، يمثل حميد قصة نجاح نادرة للمهاجر المغربي الذي استطاع، بالعمل الدؤوب والإخلاص، أن يبني لنفسه مكانة استثنائية في مجتمع أوروبي راق. إنه ليس مجرد موظف، بل رمز حي لإمكانية تحقيق الأحلام عبر العمل الجاد والالتزام.
راتبه المرتفع ليس مجرد رقم في الحساب البنكي، بل اعتراف بقيمة الإنسان عندما يقدم أفضل ما لديه. حميد، بقصته الملهمة، يذكرنا أن النجاح ليس مرتبطاً دائماً بالشهادات الأكاديمية، بل بالقدرة على أن تكون لا غنى عنك في المكان الذي تعمل فيه.