مع انتهاء آخر اختبار كتابي لامتحانات الباكالوريا، دخلت المنظومة التعليمية المغربية مرحلة حاسمة جديدة صباح يوم السبت الماضي، حيث انطلقت رسمياً عملية تصحيح أوراق امتحانات نيل شهادة الباكالوريا لدورة يونيو 2025 عبر جميع مراكز التصحيح المنتشرة في أنحاء المملكة.
تشهد هذه العملية التعليمية الضخمة تعبئة استثنائية للموارد البشرية واللوجستية، حيث تواجه وزارة التربية الوطنية تحدي تصحيح أكثر من 4.7 مليون ورقة امتحان بحسب ما كشف موقع لكم ، تشمل المواد الأساسية والتخصصات المتنوعة للمسالك الثمانية الرئيسية، بدءاً من شعب الآداب والعلوم الإنسانية، مروراً بالعلوم الرياضية والفيزيائية والعلوم التقنية، وصولاً إلى التعليم الأصيل والباكالوريا المهنية بتخصصاتها المختلفة.
استنفرت الوزارة لإنجاز هذه المهمة الجبارة أكثر من 52 ألف أستاذ مصحح، وزعتهم على 364 مركز تصحيح موزعة بعناية عبر جميع جهات المغرب، مما يضمن التوازن الجغرافي والعدالة في التوزيع. ولتحقيق أقصى درجات الكفاءة والدقة، اعتمدت الوزارة نظاماً إلكترونياً متطوراً لمسك النقط، يهدف إلى تسريع عملية الإنجاز وضمان الدقة في تتبع الملاحظات، بالإضافة إلى تقليص هامش الخطأ البشري والإشكالات المرتبطة بطرق التجميع التقليدية.
تمتد هذه العملية الحيوية على مدى عشرة أيام تقريباً، وتخضع لمجموعة صارمة من الضوابط التربوية والإدارية المصممة لضمان النزاهة والشفافية. يبدأ الأمر بتوزيع أوراق التحرير على المصححين بطريقة عشوائية محكمة تضمن الحياد التام، حيث تُخفى جميع بيانات المترشحين لتجنب أي تأثير غير مرغوب فيه على عملية التقييم.
قبل الشروع في التصحيح الفعلي، يخضع كل أستاذ مصحح لبرنامج تأطيري مكثف حول شبكات التنقيط المرجعية التي أعدتها لجان وطنية متخصصة، بهدف توحيد المعايير وضمان العدالة في التقييم وتجنب التفاوتات بين المصححين في مختلف المراكز.
تعتمد منهجية التصحيح على نظام “تصحيح العينات” كخطوة تحضيرية أساسية، إذ يُطلب من كل أستاذ تصحيح عينة تجريبية من الأوراق وعرضها على لجنة مختصة للمصادقة عليها قبل الانطلاق في المهمة الحقيقية. كما تنص الإجراءات على إمكانية إعادة تصحيح بعض الأوراق مرتين في حالات محددة، لتفادي أي ظلم محتمل أو خطأ في التنقيط قد يؤثر على مصير الطلاب.
وفقاً للرزنامة الرسمية المعلنة، من المقرر الإعلان عن نتائج الدورة العادية للباكالوريا في 14 يونيو 2025، وذلك عبر قنوات متعددة تشمل البوابة الإلكترونية للوزارة والمنصة الرسمية “متمدرس”، بالإضافة إلى المؤسسات التعليمية المختلفة. وبعد أقل من أسبوعين من إعلان النتائج، ستُفتح أبواب الدورة الاستدراكية لفائدة التلاميذ الذين لم يتمكنوا من تحقيق المعدل الأدنى للنجاح المحدد في 10 من 20.
تراهن الوزارة بقوة على توظيف التكنولوجيا الحديثة والحلول الرقمية المتقدمة لكسب الوقت الإداري وتحقيق مستويات أعلى من الشفافية في جميع مراحل ما بعد التصحيح، خاصة فيما يتعلق بآليات إعادة تصحيح الأوراق استجابة لطلبات الطعن التي ستكون متاحة للمترشحين فور إعلان النتائج الرسمية.
تمثل عملية التصحيح الحلقة الأكثر أهمية وحساسية في مسار امتحانات الباكالوريا، إذ تعكس مدى التزام المنظومة التعليمية الوطنية بمبدأ تكافؤ الفرص والعدالة التربوية، وتؤسس لمرحلة انتقالية حاسمة في مسيرة آلاف التلاميذ نحو آفاق جديدة، سواء في التعليم العالي أو التكوين المهني أو الاندماج المباشر في سوق العمل.
في انتظار صدور نتائج هذه الدورة المصيرية، يبقى التحدي الأكبر أمام المنظومة التعليمية هو المحافظة على الثقة المجتمعية في آليات التقييم الوطنية، وتعزيز مصداقية شهادة الباكالوريا كأداة أساسية لتحقيق العدالة التربوية والاجتماعية، وضمان تكافؤ الفرص لجميع أبناء الوطن في بناء مستقبلهم الأكاديمي والمهني.