فورين أفيرز: تحوّل الخليج الكبير وكيف تعيد حرب غزة تشكيل الشرق الأوسط


في تقرير تحليلي معمق لمجلة “فورين أفيرز” الأمريكية، رصده “المحيط“، كشفت المجلة عن تحولات جيوسياسية كبرى تعصف بالشرق الأوسط، مؤكدة أن حرب غزة وتداعياتها قد أدت إلى إعادة تشكيل جذرية للتحالفات والأولويات، ودفعت دول الخليج إلى تبني استراتيجية جديدة تماماً لإدارة توازن القوى في المنطقة.

استهل التقرير بالإشارة إلى خطوات مفاجئة وغير متوقعة اتخذتها إدارة الرئيس دونالد ترامب، مثل لقائه بالزعيم السوري الجديد أحمد الشرع، ورفع العقوبات عن دمشق، وتوقيع اتفاق ثنائي لوقف إطلاق النار مع الحوثيين دون استشارة إسرائيل، وتجاهل زيارتها بالكامل. واعتبرت المجلة أن هذه المؤشرات، مقترنة ببدء محادثات مباشرة مع إيران، تكشف عن مدى التغير الذي طرأ على ميزان القوى منذ هجوم 7 أكتوبر 2023.

من مواجهة إيران إلى كبح جماح إسرائيل

أوضح التقرير أنه قبل حرب غزة، كان هناك إجماع شبه كامل بين دول الخليج الرئيسية وإسرائيل على أن إيران ووكلائها هم التهديد الأكبر للمنطقة. هذا الإجماع كان أساس معارضتهم المشتركة للاتفاق النووي (خطة العمل الشاملة المشتركة) عام 2015، ودعمهم لحملة “الضغط الأقصى” التي قادتها إدارة ترامب الأولى، والتي توجت باتفاقيات أبراهام للتطبيع.

لكن بعد عشرين شهراً من الحرب، انقلبت هذه المعادلة رأساً على عقب. فبحسب “فورين أفيرز”، لم تعد إيران تبدو كقوة إقليمية توسعية في نظر العواصم الخليجية، بل أصبحت إسرائيل، بعد نجاحاتها العسكرية الكبيرة، هي التي يُنظر إليها بشكل متزايد على أنها قوة إقليمية مهيمنة، وربما غير منضبطة. هذا التحول وضع حلفاء واشنطن الخليجيين وإسرائيل في معسكرين متعارضين تماماً بشأن كيفية التعامل مع الملف الإيراني.

فشل الاستراتيجية القديمة وصعود واقع جديد

يسرد التقرير كيف أن استراتيجية الضغط الأمريكية على إيران لم تحقق أهدافها، بل أتت بنتائج عكسية، حيث ردت طهران بتسريع برنامجها النووي وتوسيع دعمها لوكلائها، وشن هجمات مباشرة على منشآت نفطية في السعودية عام 2019. وقد دفعت هذه التطورات دول الخليج، حتى قبل حرب غزة، إلى إعادة تقييم استراتيجيتها، وهو ما تجلى في الاتفاق السعودي-الإيراني المفاجئ بوساطة صينية في مارس 2023.

جاءت حرب غزة لتكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. فبينما كانت واشنطن تعتقد أن الصراع سيعزز ضرورة قيام حلف أمني خليجي-إسرائيلي، حدث العكس. فقد أحجمت السعودية والإمارات عن الانخراط في أي مواجهة عسكرية إلى جانب الولايات المتحدة ضد الحوثيين، خوفاً من الانجرار إلى صراع أوسع، وتأثراً بالغضب الشعبي العربي تجاه ما يحدث في غزة.

في المقابل، حققت إسرائيل سلسلة من النجاحات العسكرية الحاسمة التي غيرت المشهد: قضت على قيادة حزب الله العليا، واغتالت زعيم حماس يحيى السنوار، وشهدت انهيار نظام الأسد الحليف لإيران في سوريا. هذه الانتصارات، بحسب التقرير، أضعفت “محور المقاومة” وعزلت طهران، وخلقت لدى إسرائيل شعوراً بالثقة المطلقة ورغبة في توجيه ضربة قاصمة لمنشآت إيران النووية.

التحول الخليجي: الاتفاق النووي كأداة لتحقيق التوازن

هنا تكمن المفارقة الكبرى التي يبرزها التقرير: فبدلاً من دعم الهجوم الإسرائيلي المحتمل على إيران، أصبحت دول الخليج أكبر المدافعين عن إحياء الدبلوماسية والتوصل إلى اتفاق نووي جديد، وهو الموقف الذي تبنته إدارة ترامب أيضاً، خشية الانجرار لحرب إقليمية.

توضح “فورين أفيرز” أن الدافع الخليجي يتجاوز مجرد الخوف من حرب على أعتابها. فالهدف الاستراتيجي الأعمق هو استخدام الاتفاق النووي كأداة لكبح جماح إسرائيل ومنعها من فرض هيمنة مطلقة. فالاتفاق سيحرم إسرائيل من ذريعة شن حرب على إيران، وهي حرب من شأنها أن تزعزع استقرار اقتصادات الخليج وتؤكد تفوق إسرائيل العسكري بشكل لا رجعة فيه.

ولتحقيق ذلك، انتقلت دول الخليج من مقعد المتفرج إلى دور اللاعب الفاعل. إذ يلعب وزير خارجية سلطنة عُمان دوراً محورياً في الوساطة، بينما طرحت السعودية أفكاراً مبتكرة مثل إنشاء اتحاد نووي إقليمي مشترك مع إيران لإدارة تخصيب اليورانيوم.

نحو محور استقرار جديد

يخلص تقرير “فورين أفيرز” إلى أن المنطقة تشهد ولادة اعتماد متبادل جديد: إيران بحاجة لدول الخليج كشريان حياة دبلوماسي واقتصادي لتجنب الحرب، ودول الخليج بحاجة لإيران لتحقيق توازن قوى مع إسرائيل.

هذا لا يعني التخلي عن التطبيع، بل السعي نحو نظام إقليمي تكون فيه لدول الخليج علاقات جيدة مع كلا الخصمين، إيران وإسرائيل، بما يخدم مصالحها ويعزز استقرارها.

ولكن نجاح هذا المسار، كما يؤكد التقرير، مشروط بأن تضع الولايات المتحدة أي اتفاق نووي ضمن إطار استراتيجي أوسع، يربطه بإنهاء الحرب في غزة، وتقديم أفق سياسي حقيقي للفلسطينيين، كشرط أساسي لاستئناف مسار التطبيع.

إذا تم التوصل إلى هذا الترتيب المعقد، فإن دول الخليج مرشحة لتكون “محور ارتكاز” لنظام شرق أوسطي جديد وأكثر استقراراً. أما الفشل، فسيعني العودة إلى دوامة الصراع.

شارك المقال:

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعونا على وسائل التواصل الاجتماعي

إشهار

هذه المساحة مخصصة للإعلانات. دعمك يساهم في استمرار الموقع وتقديم محتوى إخباري مميز.

انضم إلى العائلة!

اشترك في النشرة الإخبارية.

لقد تم اشتراكك بنجاح! عفواً! حدث خطأ ما، يُرجى المحاولة مرة أخرى.
Edit Template

معلومات عنا

موقع المحيط الإخباري: هنا، الخبر يبدأ بالإنسان وينتهي به. نحن منصة إخبارية شاملة تضع الإنسان في قلب اهتماماتها، مستكشفةً قصصه وتحدياته وآماله. لا نتعجل في نقل الحدث، بل نقدم تفاصيله بعمق، ونطرح الأسئلة التي تقود إلى فهم أوسع. نغطي الأحداث المحلية والإقليمية والدولية بمنظور تحليلي مختلف، مع اهتمام خاص بتقديم المعرفة في مجالات المستقبل التي تشكل عالمنا القادم. كل ذلك في إطار من الدقة والمسؤولية واحترام أخلاقيات العمل الصحفي

  شروط الاستخدام © 2025 Created By M AGENCY