يصل مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ستيف ويتكوف، إلى إسرائيل هذا الأسبوع في مهمة تبدو على السطح إنسانية، لكنها في جوهرها تغوص في عمق المستنقع السياسي والدبلوماسي الذي وصلت إليه الحرب على غزة.
ففي ظل إعلان منظمات دولية رائدة عن مجاعة فعلية و”سيناريو أسوأ” يتكشف أمام أعين العالم، ووصول عدد الضحايا الفلسطينيين إلى أكثر من ستين ألفا، تأتي زيارة ويتكوف في لحظة حرجة تحمل معها سؤالا محوريا: هل تستطيع إدارة ترامب الجديدة، المعروفة بأسلوبها غير التقليدي، النجاح حيث فشلت الدبلوماسية التقليدية، أم أن الزيارة مجرد مناورة سياسية في لعبة أكبر؟
المهمة الظاهرية مقابل الواقع السياسي
رسميا، تأتي زيارة ويتكوف لمناقشة الأزمة الإنسانية الكارثية. تصريحات الرئيس ترامب نفسه من اسكتلندا كانت واضحة حين أكد أن إسرائيل “تتحمل مسؤولية كبيرة عن تدفق المساعدات”، وتعهد بأن الولايات المتحدة “سترسل الكثير من الأموال إلى المنطقة حتى يتمكنوا من الحصول على بعض الطعام”. هذه التصريحات، إلى جانب الضغط المتزايد من الديمقراطيين وبعض الجمهوريين، تشكل الواجهة المعلنة للزيارة.
لكن المحللين وفق تقرير لـACW رصدته المحيط، يشيرون إلى أن دوافع ترامب نادرا ما تكون إنسانية بحتة. فكما يوضح دانيال برومبرغ، سياسة ترامب الخارجية تدور حول ممارسة القوة والهيمنة الشخصية أكثر من أي استراتيجية متماسكة.
وتضيف أنيل شيلين نقطة حاسمة: لو أراد ترامب وقف إطلاق النار بصدق، فإن مكالمة هاتفية واحدة لنتنياهو كفيلة بذلك، تماما كما فعل لإجباره على قبول هدنة مؤقتة قبل دخوله البيت الأبيض. عدم ممارسة هذا الضغط الآن يكشف أن الإدارة الجديدة، مثل سابقتها، تتبنى موقف “العجز المصطنع” وأن تحركاتها محكومة بحسابات سياسية تتعلق بقاعدته الانتخابية.
جمود المفاوضات: روايتان لموقفين متناقضين
يصل ويتكوف إلى منطقة فشلت فيها المفاوضات قبل أيام فقط، حين سحبت واشنطن وتل أبيب فريقيهما من الدوحة. وكما يوضح خليل جهشان ويوسف منير، يكمن جوهر الفشل في التباين الكامل بين أهداف الطرفين الرئيسيين. فمن ناحية، كان موقف حماس ثابتا منذ البداية: إطلاق سراح جميع الأسرى مقابل إنهاء دائم للحرب والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين. الحركة أبدت مرونة في قضايا متعددة، لكنها لم تتنازل عن شرط إنهاء الحرب بشكل نهائي.
على الجانب الآخر، يعتبر نتنياهو وحلفاؤه في اليمين المتطرف هذا الشرط خطا أحمر. فكما يشير منير، إنهاء الحرب يعني بداية نهاية مسيرة نتنياهو السياسية ومحاسبته المحتملة على أكبر فشل أمني في تاريخ إسرائيل، فضلا عن إعادة فتح ملفات فساده. بالإضافة إلى ذلك، فإن شركاءه في الائتلاف، مثل بن غفير وسموتريتش، لديهم مخططات أيديولوجية لغزة تتطلب طرد سكانها وضم أراضيها، وهي أهداف لا يمكن تحقيقها مع وقف دائم لإطلاق النار.
تصريح نتنياهو الصريح بأنه لن ينهي الحرب إلا بعد “تنفيذ خطة ترامب لنقل الفلسطينيين من القطاع” يؤكد هذه النوايا.
الكارثة الإنسانية: أداة أم غاية؟
في هذا السياق، يصبح السؤال حول الأزمة الإنسانية أكثر إلحاحا. هل هي نتيجة مؤسفة للحرب، أم أداة متعمدة لتحقيق أهداف سياسية؟ تقدم يارا عاصي وأسال راد رؤية قاتمة. فالمشاهد المروعة للأطفال الذين يشبهون الهياكل العظمية والقتل الممنهج لمن يحاولون الحصول على المساعدات ليست أضرارا جانبية، بل هي جزء من حملة إبادة جماعية معلنة.
وتذهب راد إلى أبعد من ذلك، معتبرة أن محادثات وقف إطلاق النار برمتها “ستار دخان”، يسمح لإسرائيل بالظهور بمظهر دبلوماسي بينما تواصل استراتيجيتها طويلة الأمد في جعل غزة مكانا غير صالح للحياة، بهدف التهجير القسري لسكانها. وفي هذا السياق، فإن أي هدنة مؤقتة، حتى لو نجح ويتكوف في تحقيقها، لن توقف الهدف النهائي المتمثل في التطهير العرقي.
هل ينجح ويتكوف؟
بناء على ما سبق، تبدو قدرة ويتكوف على إنهاء الحرب ومعاناة سكان غزة محدودة للغاية. فنجاحه لا يعتمد على مهاراته التفاوضية، بل على عوامل شبه مستحيلة:
- أن يتخلى نتنياهو عن مصالحه السياسية ويوافق على إنهاء الحرب، وهو ما يعني انتحاره السياسي.
- أن تتخلى حماس عن شرطها الأساسي بإنهاء دائم للحرب، وهو ما تعتبره الضمان الوحيد لعدم تكرار المأساة.
- أن يكون الرئيس ترامب صادقا في رغبته بإنهاء الأزمة ومستعدا لممارسة ضغط حقيقي وغير مسبوق على حليفه نتنياهو، وهو أمر يشكك فيه المحللون بشدة.
في النهاية، تبدو زيارة ويتكوف أشبه بمحاولة لإدارة الأزمة لا إنهائها. إنها خطوة تهدف إلى تخفيف الضغط على إدارة ترامب، واستكشاف إمكانية تحقيق “صفقة” شكلية تحفظ ماء الوجه، لكنها على الأرجح لن تعالج الأسباب الجذرية للصراع أو توقف الكارثة الإنسانية التي باتت، بحسب العديد من الخبراء، إبادة جماعية متكاملة الأركان.