تحمل برقية الرئيس الأميركي دونالد ترامب بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش المجيد دلالات تتخطى إطار التهاني البروتوكولية المعتادة، لتشكل وثيقة سياسية محورية تعيد تثبيت الرؤية الأميركية الواضحة لقضية الصحراء المغربية.
فعندما يؤكد الرئيس الأميركي أن مبادرة الحكم الذاتي تمثل “الأساس الوحيد لتسوية عادلة ودائمة”، فإنه يرسم خطا أحمر دبلوماسيا لا يقبل التأويل أمام أي محاولة لطرح بدائل وهمية تتجاهل الشرعية التاريخية والقانونية للمملكة المغربية في أقاليمها الجنوبية.
يكتسب هذا الموقف أهمية استثنائية في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة التي تشهدها المنطقة، حيث يدحض نهائيا الأوهام التي غذتها أطراف معينة حول إمكانية تراجع واشنطن عن اعترافها التاريخي.
لقد أصبح واضحا أن الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على صحرائه تجاوز مرحلة القرارات السياسية المؤقتة ليصبح ثابتا استراتيجيا يحكمه منطق المصالح المشتركة والاستقرار الإقليمي طويل المدى.
يضع الخبير في الشؤون الدولية الدكتور خالد الشيات، في تصريح خاص لمنصة “المحيط”، هذا الموقف في سياقه الاستراتيجي الصحيح، مؤكدا أن “رسالة ترامب تشكل توثيقا رسميا لثوابت السياسة الأميركية تجاه المنطقة المغاربية، وهي ثوابت لا تتغير بتغير الإدارات لأنها تخدم المصالح العليا للولايات المتحدة في منطقة حيوية”.
ويفصل الدكتور الشيات رؤيته موضحا: “الإدارة الأميركية تنطلق من معطيات واقعية وموضوعية، أولها أن مقترح الحكم الذاتي المغربي جدي وذو مصداقية وواقعي، وهذه المعايير الثلاثة هي التي تحدد مدى قابلية أي مبادرة للتطبيق الفعلي”.
ويضيف: “الأهم من ذلك أن الموقف الأميركي يحدد الإطار الوحيد للمفاوضات، بمعنى أن أي حوار مستقبلي يجب أن ينطلق من مبدأ الحكم الذاتي كأساس لا يقبل المزايدة أو المناورة”.
شراكة استراتيجية متجذرة تاريخيا
يؤكد الخبير ذاته أن هذا التوجه السياسي الثابت ينبع من عمق العلاقات المغربية الأميركية التي تتجاوز المصالح الظرفية، موضحا: “المغرب يمثل بالنسبة للولايات المتحدة شريكا استراتيجيا موثوقا ومضمونا تاريخيا، وهذا الأمر ينعكس على مختلف مستويات التعاون الاقتصادي والتجاري والأمني، وهي أبعاد حيوية بالنسبة للمصالح الأميركية في المنطقة”.
ويشير الدكتور الشيات إلى أن هذا الثبات في الموقف الأميركي يكتسب دلالة خاصة في مقابل المحاولات الأخرى في المنطقة، قائلا: “ما نشهده اليوم هو تأكيد أميركي على أن العلاقات الحقيقية هي تلك التي تبنى على أسس استراتيجية طويلة المدى، وليس على المنافع الظرفية أو المصالح قصيرة النظر كما تحاول بعض الأطراف الإقليمية أن تروج له، خاصة فيما يتعلق بملف الطاقة”.
ويختتم: “إن تأكيد واشنطن على طبيعة شراكتها الاستراتيجية مع الرباط في إطار زمني قريب ومتوسط وبعيد المدى، يوضح التوجهات المستقبلية للحل النهائي لقضية الصحراء المغربية”.
تبقى برقية ترامب، في نهاية المطاف، أكثر من مجرد تهنئة دبلوماسية، بل هي بيان سياسي واضح يؤكد أن الطريق نحو حل قضية الصحراء المغربية محدد ومرسوم بوضوح، وأن أي محاولة للالتفاف على هذا المسار محكوم عليها بالفشل مسبقا.