أطلقت صحيفة “لا باتري” الجزائرية في نسختها الفرنكوفونية، حملة انتقادات لاذعة ضد السياسة الموريتانية، واصفة إياها بالانحياز للتحالف المغربي الإماراتي على حساب استقلالية موقفها من الصحراء.
ووصفت الصحيفة التقارب المتنامي بين الرباط ونواكشوط بـ”التهديد الاستراتيجي المباشر” لمصالح الجزائر الإقليمية، مؤكدة أن هذه الشراكة تخطت حدود التعاون الاقتصادي التقليدي لتدخل في نطاق التحالف السياسي الاستراتيجي القادر على إعادة صياغة الخريطة الجيوسياسية لمنطقة الساحل والصحراء بأكملها.
ووجهت الصحيفة اتهامات مباشرة للحكومة الموريتانية بانتهاج استراتيجية “التوازن المزدوج”، حيث تسمح بتوسع الهيمنة الإماراتية على المرافق الحيوية والاستراتيجية مثل الموانئ البحرية والمنشآت التعدينية، وفي الوقت نفسه تفتح أبوابها أمام تعميق العلاقات مع المغرب من خلال مشروعات البنية التحتية ذات الطابع السياسي المبطن.
وسلطت المادة الصحفية الضوء بقوة على مشروع إنشاء المعبر الحدودي المستحدث الرابط بين موريتانيا والمغرب عبر محوري أمغالة وبئر أم كرين، معتبرة إياه تكملة منطقية لمعبر الكركرات القائم، ومحذرة من أن هذا المشروع سيؤدي حتماً إلى تقوية النفوذ المغربي وتوسيع دائرة تأثيره لتشمل العمق الموريتاني بشكل أكبر.
الصحيفة ربطت أيضاً بين مشاريع تطوير شبكات النقل بالسكك الحديدية والطرق السريعة في المناطق الشمالية لموريتانيا وبين توفير تسهيلات لوجستية لنقل ما أسمته “الثروات المستولى عليها بصورة غير مشروعة” من أراضي الصحراء ، مما يكشف عن عمق الريبة الجزائرية تجاه الدوافع الحقيقية لهذه المبادرات التنموية.
ولم تكتف الصحيفة بالتحليل والنقد، بل تجاوزت ذلك إلى إصدار نداءات مباشرة للقيادة الجزائرية بضرورة الاستجابة الفورية والحازمة لما وصفته بـ”الاستراتيجية الإماراتية المغربية المنسقة”، مطالبة في الوقت ذاته موريتانيا بالوقوف عند مفترق طرق واضح المعالم، إما الالتزام الصادق بسياسة الحياد الإيجابي أو قبول عواقب الانجرار نحو دوامة عدم الاستقرار والتبعية للقوى الخارجية.
هذه الحملة الإعلامية الجزائرية المكثفة تترجم حالة الانزعاج البالغ في أوساط النخبة الجزائرية من المسار الذي تتخذه العلاقات المغربية الموريتانية المتطورة، والتي تنظر إليها الجزائر كتحد جوهري لدورها الإقليمي المعتاد ولاستراتيجيتها طويلة المدى في ملف الصحراء المغربية.
يرى مراقبون أن هذه المناورة الإعلامية خطوة يائسة قد تأتي بنتائج عكسية. فبدل إجبار موريتانيا على الرضوخ للضغط واختيار معسكرها، قد تُعزز هذه الاستراتيجية من قناعة نواكشوط بضرورة تحصين سيادتها والابتعاد أكثر عن محور أثبت أنه لا يحترم خيارات جيرانه السيادية وينظر لمشاريعهم التنموية بعين التوجس والريبة.