2025 عام الحسم.. المغرب يدخل نادي منتجي الغاز بعد عقود من التنقيب

لسنوات طويلة ظل المغاربة يراقبون بحسرة موجة الاكتشافات النفطية والغازية التي اجتاحت جيراننا في غرب افريقيا. موريتانيا والسنغال وساحل العاج وغانا، كلها دول حققت انجازات مذهلة في قطاع الطاقة واستحوذت على 60% من الاكتشافات العالمية الجديدة. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: لماذا ليس المغرب؟

اليوم، مع اقتراب موعد بدء الانتاج في حقل غاز تندرارة بالمنطقة الشرقية نهاية 2025، يبدو ان الاجابة بدات تتشكل. فهذا الحقل الذي يحتوي على 10.6 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي ليس مجرد مشروع طاقي، بل رمز لتحول استراتيجي قد يعيد تشكيل خريطة الطاقة المغربية بالكامل.

الكنوز المخفية تحت الارض المغربية.. خريطة الثروة الحقيقية

ما لا يعرفه كثيرون ان المغرب يجلس على كنز دفين من الهيدروكربونات. الارقام تتحدث عن نفسها: حقل انشوا البحري وحده يحتوي على موارد مقدرة بـ18 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، في انتظار قرار التطوير النهائي. اضافة الى الحقول التاريخية في الغرب ومسكالة التي رغم تراجع انتاجها من 100 مليون متر مكعب سنويا الى 40 مليون متر مكعب، لا تزال تثبت وجود انظمة بترولية نشطة.

الجغرافيا الطاقية للمملكة تكشف عن توزيع مثير للاهتمام. المناطق الواعدة بالغاز تتركز في الاحواض البرية للهضاب العليا حيث تندرارة، وميسور، واسا الزاك، ودكالة عبدة، والغرب، والصويرة، بالاضافة الى المنطقة البحرية شمال المغرب. في المقابل، المناطق التي يحتمل ان تحتوي على النفط تمتد على طول الساحل من البحر الابيض المتوسط الى المحيط الاطلسي.

المحيط الاطلسي.. الرقم الصعب في معادلة الطاقة المغربية

المحيط الاطلسي المغربي يبقى الجائزة الكبرى في هذه اللعبة الاستراتيجية. بامتداد يصل الى 3000 كيلومتر، لم يتم استكشاف هذا المجال البحري الهائل بشكل كاف. منذ 1968، حفرت فقط 45 بئرا، اي بمعدل بئر واحد لكل 7974 كيلومتر مربع. هذا الرقم يكشف حجم الفرص المهدورة والامكانات غير المستغلة.

شركة ايسو الامريكية العملاقة تدرك هذه الامكانات جيدا. فهي تجري حاليا عمليات استكشاف على مساحة بحرية شاسعة تمتد من اسفي شمالا الى طرفاية جنوبا، بمساحة اجمالية تبلغ 130064 كيلومتر مربع موزعة على رخصتين: اسفي الصويرة واكادير افني. هذا الاستثمار الضخم من شركة بحجم ايسو يؤكد الثقة في الامكانات الحقيقية للمجال البحري المغربي.

شركات النفط العالمية تعيد اكتشاف المغرب

الابار التي حفرت بين 2013 و2018 كشفت عن وجود الغاز والمكثفات والنفط، مما اثبت وجود انظمة بترولية نشطة. هذا التاكيد العلمي وضع المغرب على خريطة الاستكشاف العالمية بشكل جدي. شركة هنت اويل الامريكية حصلت على تمديد لمدة عامين لرخصة موغادور البحرية حتى يناير 2027، بينما تستمر شركة بريداتور البريطانية في خططها لحفر بئر جديد في رخصة جرسيف قبل نهاية العام.

لكن المشهد ليس وردي الى هذا الحد. انسحاب شركة جينيل انرجي في يونيو 2025 بعد فشلها في العثور على شريك لتمويل حفر بئر بنانا-1 يذكرنا بان التنقيب مغامرة محفوفة بالمخاطر المالية والتقنية. التحدي الاكبر الذي يواجه المكتب الوطني للهيدروكربونات والمعادن يكمن في اقناع الشركات العالمية بالاستثمار بكثافة في بلد لم يسجل بعد اكتشافات ضخمة.

2025.. عام التحول الحقيقي في قطاع الطاقة المغربي

العام الحالي يحمل في طياته مجموعة من المحطات المهمة التي قد تغير وجه قطاع الطاقة في المغرب. بدء انتاج حقل تندرارة بمعدل 100 مليون متر مكعب سنويا في المرحلة الاولى سيكون اللحظة الفارقة. وزارة الانتقال الطاقي تستعد لاطلاق مناقصة للمرحلة الاولى من تطوير البنية التحتية للغاز في النصف الثاني من 2025.

شركتا ساوند انرجي ومانا انرجي تعملان على استكمال الدراسات لاطلاق المرحلة الثانية من تندرارة، التي تهدف الى زيادة الانتاج لتوليد الكهرباء. هذا التوسع التدريجي يعكس رؤية استراتيجية طويلة المدى لتحويل المغرب من مستورد للطاقة الى منتج قادر على تلبية احتياجاته المحلية والتصدير للخارج.

التحديات التقنية والمالية.. الواقع خلف الارقام الواعدة

رغم كل هذه الامكانات الواعدة، يبقى تحويل الكمون الى واقع مسالة معقدة تتطلب استثمارات ضخمة وخبرة تقنية متقدمة. التنقيب في المياه العميقة يتطلب تقنيات متطورة ومكلفة، والنجاح ليس مضمونا. الابار الجافة والفشل في العثور على كميات تجارية من الهيدروكربونات هي جزء من المخاطر المحسوبة في هذا القطاع.

المكتب الوطني للهيدروكربونات والمعادن يواجه تحديا مزدوجا: من جهة تغطية جميع مناطق التنقيب بتراخيص، ومن جهة اخرى حسن اختيار الشركات القادرة على الاستثمار في حفر عدة ابار وليس بئرا واحدا. هذه القدرة تتمتع بها الشركات الكبرى عادة، مما يجعل جذب هذه الشركات اولوية استراتيجية.

الاثر الاقتصادي المتوقع.. من فاتورة الطاقة الى فرص الشغل

النجاح في استخراج وانتاج الهيدروكربونات سيكون له اثر مباشر على الاقتصاد المغربي. تقليل الاعتماد على الواردات الطاقية يعني توفير مليارات الدراهم سنويا كانت تذهب لدفع فاتورة استيراد النفط والغاز. هذه الاموال يمكن ان تعاد توجيهها نحو الاستثمار في البنية التحتية والتنمية الاجتماعية.

خلق فرص الشغل هو الاثر الثاني المباشر. كل مشروع تنقيب او انتاج يعني فرص عمل مباشرة للمهندسين والتقنيين والعمال، وغير مباشرة في قطاع الخدمات والنقل بالجهات المعنية. المنطقة الشرقية، موطن حقل تندرارة، تنتظر نهضة اقتصادية حقيقية قد تحولها الى قطب صناعي مهم.

مستقبل الطاقة في المغرب.. رؤية 2030 وما بعدها

الاكتشافات الحديثة تضع المغرب على مفترق طرق تاريخي. الخيارات المتاحة اليوم ستحدد مستقبل الطاقة في المملكة للعقود القادمة. التوسع في الاستكشاف البحري، خاصة في المحيط الاطلسي، يبقى الرهان الاكبر. الموارد غير التقليدية مثل الغاز الصخري والهيدروجين الطبيعي تفتح افاقا جديدة لم تكن متاحة من قبل.

النجاح في هذا التحدي لا يعتمد فقط على الامكانات الجيولوجية، بل على القدرة على جذب الاستثمارات والشراكات الاستراتيجية مع الشركات العالمية المتخصصة. السياسة الطاقية الوطنية يجب ان تتطور لتواكب هذه التطورات وتوفر الاطار القانوني والتحفيزي المناسب.

المغرب اليوم يقف على اعتاب مرحلة جديدة في تاريخه الطاقي. الطريق لا يزال طويلا والتحديات كبيرة، لكن الامكانات الهائلة المكتشفة تبعث على التفاؤل. كل بئر يتم حفرها وكل متر مكعب من الغاز يتم انتاجه هو خطوة نحو تحقيق حلم السيادة الطاقية الذي طال انتظاره.

شارك المقال:

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعونا على وسائل التواصل الاجتماعي

آخر الأخبار

إشهار

هذه المساحة مخصصة للإعلانات. دعمك يساهم في استمرار الموقع وتقديم محتوى إخباري مميز.

انضم إلى العائلة!

اشترك في النشرة الإخبارية.

لقد تم اشتراكك بنجاح! عفواً! حدث خطأ ما، يُرجى المحاولة مرة أخرى.
Edit Template

معلومات عنا

موقع المحيط الإخباري: هنا، الخبر يبدأ بالإنسان وينتهي به. نحن منصة إخبارية شاملة تضع الإنسان في قلب اهتماماتها، مستكشفةً قصصه وتحدياته وآماله. لا نتعجل في نقل الحدث، بل نقدم تفاصيله بعمق، ونطرح الأسئلة التي تقود إلى فهم أوسع. نغطي الأحداث المحلية والإقليمية والدولية بمنظور تحليلي مختلف، مع اهتمام خاص بتقديم المعرفة في مجالات المستقبل التي تشكل عالمنا القادم. كل ذلك في إطار من الدقة والمسؤولية واحترام أخلاقيات العمل الصحفي

آخر الأخبار

  شروط الاستخدام © 2025 Created By M AGENCY