سباق الغاز الإفريقي: كيف تقدم المشروع المغربي على نظيره الجزائري؟

يشكل ملف الطاقة أحد أبرز رهانات الصراع الجيوسياسي في إفريقيا والمتوسط، حيث تسعى القوى الإقليمية إلى تأمين موقعها في خارطة إمدادات الغاز نحو أوروبا التي تعيش بدورها تحولات استراتيجية عميقة بعد الحرب في أوكرانيا وأزمة الاعتماد على الغاز الروسي.

وفي هذا السياق، برز مشروع أنبوب الغاز النيجيري–المغربي كخيار استراتيجي واعد، في وقت واصل فيه المشروع الجزائري–النيجيري تعثره منذ بداياته مطلع الألفية.

هذا التباين بين المشروعين يعكس اختلافًا في الرؤية والخيارات الاستراتيجية، فبينما يطرح المشروع المغربي نفسه كرافعة للتكامل الإفريقي وممرًا آمنًا نحو أوروبا، ظل المشروع الجزائري محكومًا باعتبارات ضيقة وبنية سياسية واقتصادية وأمنية لم تساعد على إخراجه إلى حيز التنفيذ.

في حديث مع المحيط، قال المحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية خالد الشيات إن “الحديث عن فشل المشروع الجزائري لا يرتبط بأي شكل بالمشروع المغربي، كما يُروج في بعض الخطابات، بل إن تعثره يعود إلى عوامل ذاتية وبنيوية تعود إلى فترة إطلاقه في 2003، أي قبل أن يُطرح المشروع المغربي بسنوات”.

وأضاف أن “عدم وجوده طيلة هذه المدة يمثل دليلًا على أن هناك عراقيل داخلية حالت دون نجاحه، وهو ما لا يمكن ربطه بظهور المشروع المغربي لاحقًا”.

وأوضح الشيات أن المشروع الجزائري لم يُبن على رؤية استراتيجية متكاملة، بل على فكرة محدودة تقوم على ضخ الغاز النيجيري نحو أوروبا، بما يشبه معادلة تجارية بسيطة بين طرفين، دون إدماج حقيقي للدول الإفريقية.

كما أن الجزائر كانت تسعى من خلاله إلى لعب دور القوة المهيمنة على ما يمكن وصفه بالغاز الإفريقي، بما يضعها في موقع تحكم وتوزيع قد لا تقبله باقي دول القارة، وهو ما شكل بدوره أحد أسباب تعثر المشروع.

وأشار إلى أن السياق الأمني مثّل عقبة أساسية أمام المشروع الجزائري، إذ إن الجزائر ساهمت في خلق حالة من عدم الاستقرار في منطقة الساحل خلال تسعينيات القرن الماضي عبر تغذية ظاهرة الإرهاب لحسابات ظرفية، لكن هذه السياسة ارتدت عليها لاحقًا. فقد أصبحت المنطقة بيئة طاردة للاستثمارات الكبرى وغير آمنة لمشروع ضخم مثل الأنبوب، فضلًا عن ارتفاع تكلفة تأمينه عسكريًا واحتمال تعرضه للتخريب.

في المقابل، يرى الشيات أن المشروع المغربي–النيجيري يقوم على فلسفة مختلفة، فهو لا يضع دولة بعينها في موقع الهيمنة، بل يقوم على اندماج إقليمي واسع، حيث تقود نيجيريا المشروع باعتبارها المنتج الرئيسي، ويُمرر عبر عدة دول إفريقية ستستفيد بدورها من الغاز لتغطية حاجاتها الطاقية. وبهذا يصبح المشروع أداة للتنمية المشتركة والتكامل الاقتصادي بدل أن يكون مجرد قناة لتصدير الغاز نحو أوروبا.

ويضيف أن المشروع المغربي جاء في سياق دولي ملائم، فبعد اندلاع الحرب في أوكرانيا أصبحت أوروبا تبحث عن بدائل تقلص اعتمادها على الغاز الروسي، ما يمنح المشروع قيمة استراتيجية إضافية. كما أن هذا الخيار ينسجم مع الرؤية الأمريكية التي تدعم المغرب في هذا المسار، باعتباره بديلًا آمنًا ومطابقًا لمصالحها في سوق الطاقة العالمية.

ويخلص خالد الشيات إلى أن فشل المشروع الجزائري يعود لعوامل ذاتية متجذرة في بنيته وسياقه، في حين أن المشروع المغربي–النيجيري يقدم رؤية أكثر عقلانية واندماجية، منسجمة مع التحولات الدولية، ما يجعل المغرب أكثر فعالية في إدارة رهانات الطاقة وأقدر على التموقع في المعادلات الجيوسياسية الراهنة.

شارك المقال:

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعونا على وسائل التواصل الاجتماعي

إشهار

هذه المساحة مخصصة للإعلانات. دعمك يساهم في استمرار الموقع وتقديم محتوى إخباري مميز.

انضم إلى العائلة!

اشترك في النشرة الإخبارية.

لقد تم اشتراكك بنجاح! عفواً! حدث خطأ ما، يُرجى المحاولة مرة أخرى.
Edit Template

معلومات عنا

موقع المحيط الإخباري: هنا، الخبر يبدأ بالإنسان وينتهي به. نحن منصة إخبارية شاملة تضع الإنسان في قلب اهتماماتها، مستكشفةً قصصه وتحدياته وآماله. لا نتعجل في نقل الحدث، بل نقدم تفاصيله بعمق، ونطرح الأسئلة التي تقود إلى فهم أوسع. نغطي الأحداث المحلية والإقليمية والدولية بمنظور تحليلي مختلف، مع اهتمام خاص بتقديم المعرفة في مجالات المستقبل التي تشكل عالمنا القادم. كل ذلك في إطار من الدقة والمسؤولية واحترام أخلاقيات العمل الصحفي

  شروط الاستخدام © 2025 Created By M AGENCY