تونس: تصاعد قياسي للاحتجاجات والانتحار والعنف في الربع الأول من 2025

 تم تسجيل 1132 تحركاً احتجاجياً خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025، في تونس مما يمثل زيادة هائلة بنسبة 375 بالمئة مقارنة بـ 238 تحركاً فقط تم تسجيلها في الربع الأول من عام 2024، وذلك وفقاً للتقرير الفصلي للمرصد الاجتماعي التونسي التابع للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (FTDES).

ويسلط التقرير الضوء على تصاعد كبير في الحراك الاحتجاجي بالبلاد، يترافق مع ظاهرة مقلقة لحالات الانتحار بدوافع سياسية وعنف مستمر في سياق من الإفلات من العقاب على نطاق واسع. (ملاحظة: النسبة المذكورة في النص الأصلي 475% قد تكون خطأ حسابياً بناءً على الأرقام المذكورة 1132 و 238، الزيادة الفعلية حوالي 375%).

ارتبطت المطالب الرئيسية للاحتجاجات (حوالي 53 بالمئة من الإجمالي) بحل المشاكل العمالية العالقة، مثل وضع العمال غير المستقرين (عمال الحضائر)، والمعلمين النواب، وحق الخريجين العاطلين عن العمل في الشغل، وتحسين ظروف العمل، ودفع الرواتب المتأخرة.

ومن المثير للاهتمام، أن موجة الاحتجاجات تغذت في البداية من تصريحات رسمية لرئاسة الجمهورية تدعو إلى إنهاء العقود الهشة، وحل مشاكل العمل العالقة، وتحقيق العدالة الاجتماعية. أدى ذلك إلى إطلاق موجة من المظاهرات والاعتصامات في بداية العام، بأعداد متزايدة بسرعة، والتي ربما كانت حدتها ستظل مرتفعة لولا حلول شهر رمضان في مارس، مما أدى إلى تباطؤ وتيرة الاحتجاجات.

وسجل شهر مارس أقل عدد من الاحتجاجات (217)، بانخفاض حاد مقارنة بشهر فبراير (432) ويناير (483). كما لوحظ تراجع في استخدام الفضاء الرقمي كمنصة للاحتجاج، لصالح المظاهرات المادية في الأماكن العامة، وأماكن العمل، والشوارع، والساحات، والمؤسسات القضائية، والسجون.

ويواصل المرصد رصد “استياء عام واسع النطاق” بين السكان التونسيين، يغذيه ارتفاع الأسعار، وانخفاض مستوى المعيشة، وصعوبات تلبية الاحتياجات اليومية. وتشمل الأسباب الإضافية للاحتجاجات رداءة نوعية البنية التحتية، وتدهور الخدمات الإدارية العامة، وتقادم أساطيل النقل، والاضطرابات والتناقضات المستمرة في إمدادات مياه الشرب، وهي مشكلة مزمنة تؤثر على المناطق الحضرية والريفية في البلاد على حد سواء.

كما تميز الربع الأول من عام 2025 بتدهور إضافي في حرية التعبير والصحافة، مع زيادة التهديدات والانتهاكات ضد الصحفيين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي. وتزامن بدء محاكمة المتهمين في ما يسمى “قضية التآمر على أمن الدولة” في 4 مارس 2025، مع عودة حملات التشهير والتنمر الإلكتروني التي تستهدف أي شخص يدافع عن حق المتهمين في محاكمة علنية وغير عن بعد، تحترم مبادئ المحاكمة العادلة، وفقاً للمنظمة.

ويسلط التقرير الضوء على استمرار الخطاب الرسمي القائم على “الخيانة” و”الانقسام”، مع سردية ثنائية لـ “الوطنيين” و”غير الوطنيين”، و”المتآمرين” ضد أمن واستقرار الدولة. وفي الوقت نفسه، يتفاقم وضع المهاجرين من جنوب الصحراء، في سياق من العنف والتمييز المتزايدين ضدهم وعدم اليقين بشأن مصيرهم، كما يتضح من وضعهم العالق وسط بساتين الزيتون في منطقتي العامرة وجبنيانة (صفاقس)، غير قادرين على المغادرة أو تحقيق حلمهم بالوصول إلى الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط. وبالتوازي مع ذلك، استمرت التعبئة لصالح المقاومة الفلسطينية خلال الأشهر الأولى من العام، منددة بـ “الإبادة الجماعية” التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية. واتخذت أنشطة التضامن من قبل التونسيين أشكالاً ثقافية واقتصادية (المقاطعة) متزايدة التنوع والأهمية.

من حيث الأرقام، شكّل الموظفون في القطاعين العام والخاص والعاطلون عن العمل القوة الدافعة الرئيسية للاحتجاجات في الربع الأول، حيث مثلوا حوالي نصف التحركات المسجلة. تبعهم النشطاء والمدافعون عن حقوق الإنسان والنقابيون والطلاب والسجناء والصحفيون، الذين مثلوا معًا ربع المظاهرات. وخلال الفترة نفسها، جرت احتجاجات أيضاً بين السكان والمزارعين والتجار وسائقي سيارات الأجرة وسائقي الحافلات العامة والطلاب وأولياء الأمور والعاملين في مجال الصحة والطاقم الطبي والمشجعين واللاعبين الرياضيين.

وكنتيجة لمركزية السلطة، أكدت العاصمة تونس مكانتها كمنطقة شهدت أعلى تركيز للاحتجاجات في الربع الأول، بـ 293 مظاهرة. تليها تطاوين (75)، قفصة (74)، القيروان (61)، جندوبة (54)، نابل (53)، مدنين (51)، توزر وسيدي بوزيد (كلاهما 50)، القصرين (48)، بنزرت (40)، ومع 36 احتجاجاً لكل منهما، سوسة ومنوبة. وشملت الاحتجاجات جميع ولايات البلاد، حيث سجلت زغوان أقل عدد (12) خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام.

وكان أكثر من 88 بالمئة من الاحتجاجات المرصودة مادية، بشكل أساسي على شكل اعتصامات، وإضرابات، وحصار، وإضرابات عن الطعام، وقطع طرق، وارتداء شارات حمراء، وأيام غضب، وإغلاق أماكن عمل. أما البقية فقد تم التعبير عنها عبر الإنترنت، من خلال النداءات والعرائض وبيانات الإدانة في وسائل الإعلام وعلى الشبكات الاجتماعية.

ولم تظهر احتجاجات الربع الأول تمييزاً جنسانياً خاصاً: 984 تحركاً كانت مختلطة، و107 قادها رجال، و41 كانت ذات أغلبية نسائية. وفي أكثر من 80 بالمئة من الحالات، كانت الاحتجاجات موجهة إلى سلطات الدولة على مستويات مختلفة (رئاسة الجمهورية أو الحكومة، السلطات الجهوية، الوزارات، البلديات، والولاة)، بينما كان الباقي موجهاً بشكل أساسي إلى السلطة القضائية وأصحاب العمل المعنيين.

كما يظهر التقرير أنه في الفترة من يناير إلى مارس 2025، تم تسجيل 33 حالة انتحار أو محاولة انتحار، تم تنظيم العديد منها كشكل من أشكال الاحتجاج في الفضاء العام، أمام مراكز الأمن، داخل المحاكم أو المدارس. تم اختيار هذه الأماكن كمسرح للتعبير عن الضيق واليأس، مما دفع هؤلاء الأشخاص إلى رفض الاستمرار في العيش، واختيار الانتحار شنقاً، أو حرقاً، أو بتناول مواد سامة أو مخدرات. وتشمل حالات الانتحار التي رصدها المرصد الاجتماعي التونسي أيضاً 14 شاباً وعشرة قاصرين. يمثل الرجال 25 من حالات الانتحار، بينما تمثل النساء ثماني حالات.

كما اتسم الربع الأول من العام بعنف واسع النطاق، في سياق عام من الإفلات من العقاب في حالات قتل النساء، وانتشار العنف عبر الإنترنت، وخطاب التمييز والعنصرية والتشهير، مصحوباً بتقليل السلطات الرسمية ووسائل الإعلام والمواطنين من تأثير هذا العنف.

وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام، لوحظ انخفاض في العنف الجماعي، بينما هيمنت الأماكن العامة (الشوارع، المدارس، المكاتب الإدارية والصحية، مواقع الإنتاج الاقتصادي) كمسارح للعنف. ولوحظ “تجنيدر” تدريجي للعنف، مع نسبة متزايدة من المعتدين الذكور (84 بالمئة من الحالات المسجلة)، بينما توزعت الضحايا بشكل أكثر توازناً بين الرجال (47 بالمئة) والنساء (40 بالمئة). وشكل التخويف والاعتداءات الأهداف الرئيسية لحالات العنف المسجلة، تليها السرقة والاعتداءات الجنسية.

وفيما يتعلق بأنواع العنف المسجلة في الربع الأول، هيمن الشكل الجنائي، حيث شكلت جرائم القتل أو التهديد بالقتل غالبية الأحداث المرصودة، تليها السرقات والسطو المسلح. كما تم توثيق أعمال عنف أخرى، مثل الاعتداء على الموظفين العموميين، والاختطاف، والاغتصاب، والعنف ضد الأطفال والنساء، والعنف المنزلي، والتحرش الجنسي، والتهديد بالقتل، والعنف ضد الرجال.

يكشف التقرير الفصلي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عن صورة قاتمة ومقلقة للوضع في تونس خلال الربع الأول من عام 2025، حيث يشير التصاعد القياسي في وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية، المقترن بظواهر خطيرة كالانتحار والعنف، إلى حالة من الاحتقان العميق وتآكل الثقة بين المواطن والدولة.

أسباب الاحتجاجات المتجذرة:

تُظهر البيانات أن المحرك الأساسي للاحتجاجات هو المطالب الاقتصادية والاجتماعية الملحة. فالقضايا المتعلقة بالعمل، مثل تسوية وضعية العمالة الهشة (عمال الحضائر والمعلمون النواب)، والمطالبة بالحق في الشغل للخريجين، وتحسين ظروف العمل، ودفع الأجور المتأخرة، شكلت أكثر من نصف التحركات الاحتجاجية. يضاف إلى ذلك الاستياء العام من تردي الأوضاع المعيشية نتيجة ارتفاع الأسعار، وضعف الخدمات العامة الأساسية كالنقل والصحة والمياه، وتدهور البنية التحتية. هذه المطالب تعكس أزمة اقتصادية واجتماعية عميقة يعاني منها قطاع واسع من التونسيين، وشعوراً متزايداً بالإحباط من غياب الحلول الفعالة.

والمفارقة اللافتة هي أن الشرارة الأولى لموجة الاحتجاجات جاءت كرد فعل على تصريحات رئاسية تعد بإنهاء العمل الهش وتحقيق العدالة الاجتماعية. هذا يشير إلى أن المواطنين كانوا يأملون في تغيير حقيقي، لكن يبدو أن غياب التنفيذ الفعلي لهذه الوعود أو بطء وتيرته أدى إلى تحول الأمل إلى غضب واحتجاج واسع النطاق، حيث انتقل الحراك من الفضاء الرقمي إلى الشارع والأماكن العامة، مستهدفاً بشكل مباشر مؤسسات الدولة على مختلف مستوياتها.

تآكل الثقة وفشل تحقيق التطلعات:

إن حجم الاحتجاجات وطبيعة مطالبها، بالإضافة إلى الظواهر المصاحبة لها، تثير تساؤلات جدية حول مدى نجاح إدارة الرئيس قيس سعيّد في كسب ثقة المواطنين وتحقيق التطلعات التي رافقت وصوله إلى السلطة، خاصة بعد الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها في يوليو 2021.

  1. فجوة بين الوعود والواقع: يبدو أن الوعود بمعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية لم تترجم إلى تحسن ملموس في حياة المواطنين، مما أدى إلى خيبة أمل واسعة.
  2. تدهور الحريات: يشير التقرير إلى تراجع مقلق في حرية التعبير والصحافة، وتزايد التهديدات ضد الصحفيين والنشطاء، واستخدام خطاب “الخيانة” و”التآمر” ضد المعارضين أو المنتقدين. هذا المناخ من التضييق على الحريات يتعارض مع المبادئ الديمقراطية التي قامت عليها ثورة 2011، ويفاقم الشعور بالإحباط لدى شرائح واسعة، خاصة النخب والنشطاء.
  3. اليأس الاجتماعي: الأرقام المفزعة لحالات الانتحار ومحاولات الانتحار، بما في ذلك بين القصر، واختيار الفضاء العام كمسرح لهذه الأفعال المأساوية، تعتبر مؤشراً خطيراً على بلوغ اليأس مستويات حرجة لدى فئات من المجتمع، وتعبيراً صارخاً عن فقدان الأمل في المستقبل في ظل الأوضاع الراهنة.
  4. انتشار العنف والإفلات من العقاب: تفشي العنف بأشكاله المختلفة، سواء الجنائي أو الاجتماعي أو السياسي، والشعور بغياب المحاسبة، يقوض الإحساس بالأمن والاستقرار ويزيد من انعدام الثقة في قدرة الدولة على حماية مواطنيها وتطبيق القانون بعدالة.
  5. أزمة المهاجرين: التعامل مع أزمة المهاجرين من جنوب الصحراء، وما يرافقه من عنف وتمييز، يضيف بعداً إنسانياً وأخلاقياً للأزمة، ويثير انتقادات حقوقية داخلية وخارجية.

شارك المقال:

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعونا على وسائل التواصل الاجتماعي

إشهار

هذه المساحة مخصصة للإعلانات. دعمك يساهم في استمرار الموقع وتقديم محتوى إخباري مميز.

انضم إلى العائلة!

اشترك في النشرة الإخبارية.

لقد تم اشتراكك بنجاح! عفواً! حدث خطأ ما، يُرجى المحاولة مرة أخرى.
Edit Template

معلومات عنا

موقع المحيط الإخباري: هنا، الخبر يبدأ بالإنسان وينتهي به. نحن منصة إخبارية شاملة تضع الإنسان في قلب اهتماماتها، مستكشفةً قصصه وتحدياته وآماله. لا نتعجل في نقل الحدث، بل نقدم تفاصيله بعمق، ونطرح الأسئلة التي تقود إلى فهم أوسع. نغطي الأحداث المحلية والإقليمية والدولية بمنظور تحليلي مختلف، مع اهتمام خاص بتقديم المعرفة في مجالات المستقبل التي تشكل عالمنا القادم. كل ذلك في إطار من الدقة والمسؤولية واحترام أخلاقيات العمل الصحفي

  شروط الاستخدام © 2025 Created By M AGENCY