ما وراء الاتفاق الأمني بين الجزائر وموريتانيا: حسابات العزلة ومخاطر الانحياز الإقليمي

في خطوة استرعت اهتمام الأوساط الدولية والإقليمية وقعت موريتانيا والجزائر مؤخرا اتفاقيتين تتعلقان بالتعاون العسكري وحماية المعلومات السرية في توقيت دقيق يثير التساؤلات ويبدو أن توقيت هذه الزيارة لوزير الدفاع الموريتاني على رأس وفد عسكري رفيع المستوى يضم قيادات في المجال الاستخباراتي والتوقيع على هاتين الاتفاقيتين خاصة تلك المتعلقة بتبادل الأخبار السرية هو الذي أثار بشكل خاص قلق بعض الأوساط الدولية.

تأتي هذه الاتفاقيات في سياق يواجه فيه النظام العسكري الجزائري تحديات جيوسياسية متزايدة وعزلة إقليمية متنامية فتراجع النفوذ في منطقة الساحل والقطيعة مع مالي والتحولات السيادية في بوركينا فاسو والنيجر كلها عوامل قلصت من الدور الجزائري التقليدي يضاف إلى ذلك النجاحات الدبلوماسية المغربية المتواصلة في ملف الصحراء والاعتراف الدولي المتزايد بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية مما يزيد من الضغوط على الجزائر ويدفعها للبحث عن منافذ جديدة.

وفي ظل هذا الوضع، يوضح المحلل السياسي والاستراتيجي محمد شقير في حديث مع المحيط، أن هذه الخطوة ينظر إليها كنوع من محاولة واضحة من النظام الجزائري لفك طوق العزلة الدبلوماسية والسياسية المفروضة عليه حالياً.

ويشرح شقير للمحيط، أن العامل الرئيسي الذي أثار قلق دوائر دولية بارزة كالولايات المتحدة وفرنسا هو بالتحديد توقيت الزيارة وطبيعة الاتفاق المتعلق بالمعلومات السرية، مضيفا أن هذه الدول تنظر إلى النظام الجزائري كعنصر مزعزع للاستقرار في المنطقة، لا سيما في ضوء حوادث سابقة كإسقاط الطائرة المالية، وإغلاق الحدود مع مالي المتزامن مع تحركات أزواد الانفصالية، فضلاً عن الاتهامات الموجهة للنظام الجزائري بتوظيف جماعات متطرفة وإرهابية لخدمة أجندته في الساحل.

ويرى شقير في تصريحه للمحيط، أن الجزائر في محاولتها لفك هذه العزلة تعتمد على جارين يعتبران أضعف نسبيا كتونس وخاصة موريتانيا التي تعتبر بالنسبة للجزائر بوابة ضرورية إلى دول الساحل التي أقفلت مجالها بشكل كبير أمام الجزائر التي ما زالت تعتبر نفسها القوة الإقليمية المهيمنة في المنطقة. فالاتفاقية مع موريتانيا لا تمثل شراكة متوازنة بقدر ما هي محاولة جزائرية لإيجاد نقطة ارتكاز وربما وكيل لتمرير أجندتها الأمنية والسياسية في محيطها الإقليمي المضطرب.

من المنظور الموريتاني يرى مراقبون أن القبول بهذا التقارب الاستراتيجي خاصة في شقه الاستخباراتي خروجا عن سياسة الحياد الإيجابي التقليدية وقد يكون نابعا من ضغوط جزائرية أو حسابات أمنية آنية أو ربما عدم تقدير دقيق للعواقب الاستراتيجية طويلة الأمد لهذا الانحياز الذي قد يكلف نواكشوط الكثير من رصيدها الدبلوماسي ويضعها في قلب استقطابات إقليمية معقدة.

تكمن الخطورة الأكبر في اتفاقية تبادل المعلومات المصنفة التي قد تجبر موريتانيا على مشاركة بيانات حساسة حصلت عليها من شركاء دوليين آخرين مع الجزائر مما يمثل خرقا للثقة ويضعف التعاون الأمني الدولي والإقليمي لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة كما أنه يربط موريتانيا بشكل أوثق بالعقيدة الأمنية الجزائرية ويقوض استقلاليتها في تقييم التهديدات واتخاذ القرارات.

إن هذا التقارب الموريتاني الجزائري بهذا الشكل المعزز استخباراتيا وعسكريا ينذر بتعميق حالة الاستقطاب في منطقة المغرب العربي والساحل ويقوض دور موريتانيا المحتمل كوسيط نزيه في الأزمات الإقليمية.

في المحصلة تتجاوز هذه الاتفاقيات إطار التعاون الثنائي لتعكس ديناميكيات جيوسياسية أعمق ومحاولة من نظام جزائري معزول لاستعادة بعض النفوذ عبر الاعتماد على موريتانيا كبوابة وربما كأداة وهي خطوة تضع موريتانيا أمام تحديات استراتيجية كبيرة وتزيد من تعقيد المشهد الأمني والسياسي في منطقة الساحل والصحراء الهشة أصلا وتستدعي مراقبة دقيقة لتداعياتها المحتملة على الاستقرار الإقليمي.

شارك المقال:

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعونا على وسائل التواصل الاجتماعي

إشهار

هذه المساحة مخصصة للإعلانات. دعمك يساهم في استمرار الموقع وتقديم محتوى إخباري مميز.

انضم إلى العائلة!

اشترك في النشرة الإخبارية.

لقد تم اشتراكك بنجاح! عفواً! حدث خطأ ما، يُرجى المحاولة مرة أخرى.
Edit Template

معلومات عنا

موقع المحيط الإخباري: هنا، الخبر يبدأ بالإنسان وينتهي به. نحن منصة إخبارية شاملة تضع الإنسان في قلب اهتماماتها، مستكشفةً قصصه وتحدياته وآماله. لا نتعجل في نقل الحدث، بل نقدم تفاصيله بعمق، ونطرح الأسئلة التي تقود إلى فهم أوسع. نغطي الأحداث المحلية والإقليمية والدولية بمنظور تحليلي مختلف، مع اهتمام خاص بتقديم المعرفة في مجالات المستقبل التي تشكل عالمنا القادم. كل ذلك في إطار من الدقة والمسؤولية واحترام أخلاقيات العمل الصحفي

  شروط الاستخدام © 2025 Created By M AGENCY