في ظل علاقات متوترة وصلت إلى حد القطيعة الكاملة منذ سنوات، وحدود مغلقة منذ عام 1994، جاء خطاب العرش للملك محمد السادس ليمثل خطوة مفاجئة ومخالفة لكل التوقعات.
ففي الوقت الذي تتصاعد فيه حدة العداء الذي يغذيه النظام الجزائري، اختار الملك أن “يمد يده” مجدداً، مذكراً بـ”الأواصر الإنسانية والتاريخية العريقة” التي تربط الشعبين الشقيقين المغربي والجزائري.
بحسب صحيفة كوسور الفرنسية ، هذه الدعوة للسلام لا تأتي في فراغ، بل في سياق من العداء المستحكم الذي تجلى في حوادث متكررة، بدءاً من اتهام الجزائر للمغرب بالوقوف خلف حرائق الغابات، مروراً بالتعتيم الإعلامي على الإنجاز التاريخي للمنتخب المغربي في كأس العالم، ووصولاً إلى حوادث مأساوية كقتل سياح مغاربة فرنسيين تاهوا في المياه الإقليمية الجزائرية. كل هذه الوقائع تكشف عن عداء عميق يتجاوز الخلافات السياسية إلى مستوى من البغضاء الممنهجة.
ويرى محللون أن هذه المبادرة الملكية تمثل مناورة سياسية بارعة، خاصة في توقيتها.
وفي هذا السياق يصف أحمد عزيزر، مدير الأبحاث بالمعهد المغربي للذكاء الاستراتيجي، في تصريح نقلته الصحيفة ذاتها ، أن “توقيت هذه اليد الممدودة من الملك محمد السادس يبدو للبعض مخالفا للمنطق ، لكنها براعة دبلوماسية.
ففي اللحظة التي تفوق فيها المغرب بوضوح على الجزائر اقتصاديا ودبلوماسيا، يختار الملك أن يدعو مجددا إلى الهدوء والمصالحة، متخذا الشعب الجزائري شاهدا على ذلك”. يضيف المصدر.
على النقيض تماما، تبدو الاستراتيجية الجزائرية غارقة في ردود أفعال عكسية، حيث يعمد النظام الحاكم، الذي يوصف بـ”حكم الشيوخ’’، إلى تصدير أزماته الداخلية عبر اختلاق أعداء خارجيين.
فمن أجل إلهاء الشباب الذي يعاني من البطالة المتفشية وتدهور ظروف العيش، يتم توجيه الغضب الشعبي نحو كبش فداء جاهز، فتارة تكون فرنسا، والمغرب ليس ببعيد أبداً. إنها محاولة يائسة من نظام ذي أهداف عفا عليها الزمن لإيجاد مبررات لاستمراره غير سياسته الفاشلة.
في جوهر الأمر،تقول الصحيفة إن المغرب يضع “المصالحة” كهدف استراتيجي إقليمي وحضاري، وليس كضرورة ظرفية. فالرباط، التي لا تعاني من أي تبعية اقتصادية لجارتها الشرقية، والتي تحصد تباعا الدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء، وآخرها من بريطانيا والبرتغال، ليست في حاجة مصطنعة لهذه المصالحة.
إنها بالأحرى ترسم مسارا بديلاً لمنطقة المغرب العربي، مساراً يقوم على التنمية المشتركة وحسن الجوار والعلاقات الذكية مع الشركاء الأوروبيين والأفارقة.
وبهذا، يضع المغرب الكرة في ملعب الجزائر، ويظهر لها طريقاً بديلاً عن سياسة العداء وتصعيد التوترات. لكن السؤال يبقى مطروحاً: هل سيغتنم الرئيس عبد المجيد تبون هذه الفرصة لطي صفحة الماضي؟ بالنظر إلى بنية النظام الجزائري، فإن الشكوك تظل هي السائدة.